لأداء فريضة الحج وزيارة الحرمين ، ورأى ما تم توسيعه وزيادته فى حرم المسجد الحرام فعبر عن ابتهاجه وسروره البالغ.
وكان أبو جعفر يتصف بصفة البخل الدنيئة ، فكان يضرب به المثل فى شدة البخل إلا أنه ـ لحكمة ما ـ فاق ما قدمه من البر والإحسان جميع الكرماء الذين ظهروا من قبله إذ أكرم سكان الحرمين ومجاورى المسجدين وأحسن إليهم إحسانا عظيما (١) ثم ذهب لزيارة القدس الشريف.
وكان المنصور معروفا ـ بجانب بخله وتقطيره ـ بالظلم ، ويروى أنه قتل فى أثناء حكمه الذى دام اثنتين وعشرين سنة ستمائة ألف من المسلمين وأيديهم مغلولة ؛ كل ذلك ليقرب الناس منه وليحطم أصحاب الثروة والنفوذ فى الدولة وليخوفهم ، وفى أواخر أيامه بيت سوء النية لقتل «سفيان الثورى» ـ رضى الله عنه ـ إلا أنه عندما خرج لأداء فريضة الحج للمرة الخامسة متجها إلى مكة المعظمة ووصل إلى المكان المعطر الذى دفنت فيه أمنا ميمونة ـ رضى الله عنها ـ ، أمر والى مكة بإعداد مشنقة لشنق سفيان الثورى وفعلا قد تم إعداد المشنقة واتخذت جميع تدابير الشنق.
وعندما شاع هذا الخبر فى مكة كان سفيان الثورى قد امتد متوجها إلى الكعبة واضعا رأسه فوق ركبتى الفضيل بن عياض ورجليه فوق ركبتى سفيان بن عيينة.
قال أحد أولياء الله المحبين الصالحين : يا سفيان قد جاء المنصور قاصدا صلبك وإعدامك ووصل إلى بئر ميمونة وكتب إلى حكومة مكة حتى تعد مشنقة لصلبك ، وقد أعدت فعلا مشنقة لذلك ، وإذا ما استطاع هذا العدو الحاقد أن يضع يديه على جسمك الشريف إننا نتعرض لشماتة الأعداء ، ونقع فريسة للمصائب والاضطرابات فقام سفيان من مكانه منتفضا ، والتصق بستارة الكعبة المعظمة وقال بصوت مرتفع «لو وصل المنصور لهذا المكان فإننى لن أذكر الكعبة
__________________
(١) قد أعطى لكل واحد من أشراف قريش ألف (فلورى) ولم يكن هناك مكى يعرف إلى ذلك الوقت من أعطى له هذا القدر من النقود.