طول عمرى» ثم امتد مرة أخرى واضعا رأسه على ركبتى فضيل ورجليه على ركبتى سفيان بن عيينة (١).
وعقب ذلك وصل خبر هلاك المنصور وهو أنه كان يركب حصانا ووقع منه ، وتناولت الأفواه الخبر فى أرجاء مكة. وبما أن دعاء سفيان قد استجيب فقد تحرك المنصور من بئر ميمونة ووصل إلى «الحجونين» الكائن بين جبلين حذاء مقبرة المعلى وسقط من فوق حصانه على عنقه ومات متأثرا بذلك.
يقول مؤلف (لطائف الأخبار) عمر بن فهد : ولما كان المنصور متسلطا على الناس يضطهدهم ؛ خاف رجال السلطة من انتقام الشعب من جثته وأمروا بحفر مئة قبر ودفنوه فى القبر المائة ، وأخفوا عن الناس القبر الذى دفن فيه وكتموا أمره. وكان سبب رغبة المنصور فى إعدام حضرة سفيان واستثقاله ما وجهه إليه من النصائح والوصايا.
اتفق ذات يوم أن التقى سفيان بالمنصور فى (منى) (٢) وقال له «يا منصور اتق الله رب الكائنات واذكر ما رفعك إليه من منزلة ، لقد بلغت هذه المنزلة العالية بفضل سيوف المهاجرين والأنصار وأولادهم وأحفادهم وما بذلوه من جهد ، والآن قد عصفت بهم صروف الدهر ، وأما أنت فشحيح ممسك (٣) ولم يستطع عمر بن الخطاب أن ينفق أكثر من خمسة عشر دينارا فى أثناء حجه ، ومثله مثل الحجاج قد قنع بالجلوس تحت ظل شجرة ، وأنا أعرف أن الرجل الحق هو من إذا ما ازدانت ذاته بالعلم والعمل أصلح حال الأمة وهذا الرجل هو من أتجه إليه بالخطاب فرد عليه المنصور فى حدة وغضب «هل تريد أن تساوى نفسك بى» فأجابه الشيخ قائلا «لا ، لا يجب أن تكون فى منزلة أقل مما أنت فيها وأنا فوق ما أنا عليها» فطرده المنصور من مجلسه.
__________________
(١) الخبر بطوله فى تهذيب التهذيب ٤ / ١١٤.
(٢) كان هذا اللقاء فى حج المنصور الأول.
(٣) كان قصد سفيان بهذه الجملة معرفة مدى بخل وخسة أبى جعفر لأن المنصور كان رجلا مقترا يبحث عن حساب كل شىء حتى آخر دانق لذا اشتهر بلقب المنصور الدانقى.