إلا أنه فى تلك المدة لم يكلف بإصلاح مجرى عين زبيدة فقط بل شمل التعمير والإصلاح مجارى عين عرفات والعيون الأخرى ، كما أصلحت مجارى جميع العيون الواقعة بين عين حنين وعرفات ، وهكذا زادت المياه فى جميع المجارى.
ودام هذا التعمير أربعا وخمسين سنة ، وفى خلال هذه المدة لم يكابد أهل مكة من نقص المياه ، ولكن فى عام (١٢٣٥) مست الحاجة إلى تعمير بعض العيون لما كان السلطان محمود خان أصدر الأمر إلى والى مصر محمد باشا بأن يبادر بإصلاح أى مكان فى الحرم الشريف دون استئذان منه ، فأصلح الباشا المذكور مجارى المياه التى تحتاج إلى إصلاح وأحيا عين زبيدة من جديد ، وأبلغ الأمر إلى باب السعادة سنة (١٢٣٥).
وبعد تعمير محمد على باشا قد انضمت إلى مجرى عين زبيدة مياه عين أخرى يقال لها زعفران ، ولهذا زادت مياه عين زبيدة وكان ذلك بهمة زائر هندى كريم من أصحاب البر والإحسان يقال له «الماس أغا» وشرع هذا الرجل فى حفر بئر بالقرب من مجرى عين زبيدة ، وعمق البئر حتى يزيد من مياهه بينما هو يعمق هذا البئر ظهر مجرى ماء تحت التراب ، فسماه عين الزعفران وأجراها إلى مجرى عين زبيدة ، فوحد بين الماء وبين ذلك البئر سنة (١٢٦٣).
وأهمل ما رممه وجدده محمد على باشا والى مصر تحت رعاية السلطان محمود خان ، وفى غضون خمسة وثلاثين عاما وتهدمت عدة مواقع مما جدد ورمم ، وظهرت مشكلة ندرة المياه فى مواسم الحج ، ولم يبلغ (١) الأمر إلى السلطان ومقام الخلافة الإسلامية ، فبدأ أهالى الحرمين يتوجسون خيفة من انقطاع ماء عين زبيدة كلية ؛ إلا أن أحد الزوار الهنود من قبيلة ميمن وهو «الشيخ عبد الرحمن سراج» طهر وعمر ذلك المجرى مستخدما مائتى نفر يوميا فى ظرف شهرين ، وهكذا نفث عن الناس كربتهم وذلك عام (١٢٩٥).
__________________
(١) لأن خزينة وزارة الأوقاف السلطانية كانت تصرف كل سنة مقدارا غير قليل من النقود.