ولم يبق فى الحريق المذكور غير القبة (١) التى أمر بصنعها الناصر لدين الله لحفظ لوازم مسجد السعادة ، فالصناديق التى كانت موجودة فى المخازن الموجودة فى خارج مسجد السعادة ، وفى الجهات الأخرى من مسجد السعادة احترقت كلها.
وكانت القبة التى بناها الناصر لدين الله فى وسط المسجد وكان فى داخل القبة المصحف الشريف العثمانى ، وبعض الصناديق الكبيرة التى صنعت فى السنة الثلاثمائة من الهجرة فنجت النصاديق المذكورة من النار بحرمة المصحف الشريف الذى كتبه حضرة عثمان بيده ، وبعد أن انطفأت النار تماما كانت الأعمدة التى ظلت فى الساحة تهتز كأنها أشجار النخيل وتتمايل على جهتين وقد ذاب الرصاص الذى فيها وأخذت تسقط على الأرض واحدة تلو الأخرى.
وكان بين هذه الأعمدة أعمدة لم يذب رصاصها ولم تقع إلا أنها تأثرت من صدمة وقوع الأعمدة الأخرى وأخذت تسقط واحدا تلو الآخر ولم يبق عمود يمسك سقف المسجد الشريف فوقع سقف المسجد الشريف فوق الحجرة المعطرة كما أن سقف الحجرة المعطرة وقع على مرقد النبى الجليل ، وفى اليوم الثانى نظف من ساحة المسجد الشريف المحترق ما يستوعب عدد مصلى صلاة الجمعة وأبلغ الأمر إلى المستعصم بالله بن المنتصر بالله البغدادى وبعثوا المحضر العمومى الذى كتبه الأهالى راجين من الخليفة سرعة تعمير المسجد.
وبعثت الأشياء اللازمة من قبل المستعصم من بغداد مع قافلة حجاج بغداد مع الأمر بسرعة الشروع فى تجديد البناء فبدئ فى إجراء عمليات البناء وفكروا فى تجديد حجرة السعادة أولا ورفع الردم الذى وقع فوق القبور الشريفة وتطهير
__________________
(١) وقد عمرت هذه القبة سنة ٥٧٦ وأطلق عليها اسم قبة الشمع ، فهدمها السلطان عبد المجيد وأضاف ساحتها لساحة حرم السعادة الرملية فى سنة ١٢٧٧ ه.