وصلت هذه الفوضى لأسماع السلطان أدركته الغبرة وأراد أن يقف دون هذه الشرور وأن ينقذ أهالى البلدتين الطيبتين من بلاء القحط والغلاء فألغى نظارات الدشيشة كلها ، ورفعها ثم أمر بأن تضم جميع النظارات تحت نظارة واحدة بعد أن خصص ألف إردب قمحا لهذه النظارة كما عرف صورته فى الأمر العالى الذى سيأتى فيما بعد ، وهذا التصرف دليل واضح على ما أولاه السلاطين العثمانيون من الرعاية والحرمة نحو الحرمين الشريفين ولا شك أن رعاية هذه البقاع المقدسة وتطييب خاطر سكانها فرض عين على العامة والخاصة ولا سيما الملوك العظام.
صورة الأمر المرسل إلى المحافظ إبراهيم باشا من قبل السلطان والخاصة بنظارة الدشيشة الكائنة فى مصر :
هذا الحكم الصادر لإبراهيم باشا وزيرى فى محافظة مصر ، لما كانت مكة ووادى البطحاء غير ذى زرع ولما كان انتعاش سكان الحرمين ومعاشهم متوقفا على الجراية والحبوب التى ترسل من الديار المصرية ووصولها إليهم ، وأن دشائش الأوقاف مثل الدشيشة الكبيرة والمحمدية والخاصكية وغلال الجراية والصدقات لم تكن ترسل فى وقتها منذ عهد المرحوم المغفور له والدنا العظيم ، وذلك لعدم اهتمام أمير الأمراء بإرسالها وبسبب كثرة أطماع النظار ومشايخ العربان وقلة تدينهم ، فضلا عن إرسالها ناقصة ، فزادت حالة فقراء الحرمين الشريفين والخدم والمجاورين بؤسا بسبب القحط والغلاء وصاروا يعانون الآن جميعا من الضيق الشديد ، لمّا ألقى إلى مسامعنا السلطانية بحثنا عن سبب هذا الإهمال فوجدنا أن لكل دشيشة ناظرا ومباشرا خاصّا وأن النظار وأمراء الحج لا يحرصون على إيصال العربان الدشائش وغلال الصدقات ونقلها بجمالهم فى أوقاتها ، بل يحرصون على نقل غلالهم الخاصة التى سيبيعونها كما أن بعض الأشخاص من الخارج يؤجرون جمال العربان لينقلوا غلالهم الخاصة.