واليوم وقد تبين لعلماء التشريح وعلماء وظائف الأعضاء أكثر العوامل الفيزيائية والكيميائية التي تتحكم في الألم وتسببه ، تبقى حلقة ضائعة لم ولن يتوصلوا إلى فهمها إلا من زاوية إيمانية روحية بحتة ؛ فاختلاف الإحساس والشعور بالألم بين إنسان وآخر ، بالرغم من أن العوامل المسببة للألم قد تكون واحدة ، يرجع سببه إلى الروح ، فهي التي تتحكم في مقدار الإحساس والشعور بالألم. وبقدر ما يسمو الإنسان بروحه ويهذبها ويخلصها من التعلق بشوائب الجسد ومتطلبات النفس ، يخف إحساسه بالألم وتكثر سعادته وطمأنينته. ومن اطلع على حياة المرضى من المتألمين وأذهله الفرق الهائل في الإحساس والشعور بالألم بين مريض وآخر مع أن المرض واحد ، يعي البعد الروحي الإيماني المؤثر بالإحساس لكل ما يؤلمنا ، مصداقا لقوله تعالى : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً).
ولقد روي عن أحد الصالحين أنه أصيب يوما بالتهاب في أحد أطرافه السفلى أوجب بتره ، ولما طلب الأطباء منه شرب الخمر حتى الغيبوبة لكي لا يتألم ، (لم يكن التخدير قد عرف بعد) ، رفض ذلك ، واكتفى بأن أدخل جسده في غيبوبة روحية هي عبارة عن طرح للروح خارج الجسد ، فبتروا ساقه دون أي إحساس بالألم. ولما رجع إلى وعيه أنبئوه أن ابنه الأكبر قد قتل وهو في الجهاد فكان رده المأثور : «الحمد لله الذي أخذ ولدا وسلّم أولادا وأخذ عضوا وسلّم أعضاء» .. اللهم أسبغ علينا شيئا من إيمان هذا العبد الصالح.
٥ ـ وقفة موجزة مع الأحلام
وكما أن العلم لن يفهم في العمق أسرار النوم ما دام لم يسلم بوجود الروح ، كذلك بالنسبة للأحلام. فمن الوجهة الإيمانية هناك نوعان من الأحلام :
١ ـ الأحلام الغيبية الصادقة وهي إشارات من المولى إلى النائم ومنها