عصر الحضور وعصر صدور النصوص ، لكن لم تكن لهم إلا مرجعية مقيدة ، أما في هذه الفترة فقد منحوا مرجعية مطلقة ، بعد أن لم ينتظروا مزيداً من النصوص ، فكان لهم الاعتماد على اجتهادهم ومحاولاتهم الخاصة لكشف الحكم الشرعي ، بعد انقطاع صدور النصوص بالدخول في عصر الغيبة ومن الواضح أن ذلك لم يكن يتم لهم ، إلا بعد جمع ما لديهم من النصوص ، وفرزها وإعدادها للاستفادة التامة ، في استنباط الأحكام .
وكان شيخنا أبو الحسن ابن بابويه ، من رواد هذه المهمة ، فقد كان من أعمدة الحديث ، ومشايخ رواته ، وثقات حملته ، ولا بد أنه حمل قسماً كبيراً من هذا العبء الثقيل ، ليؤديه إلى الأجيال بكل أمانة ، وقد فعل بحق وجدارة ، حيث توسط لنقل الآلاف من الأحاديث الشريفة إلى الرواة من تلامذته، فنقلوها بواسطته ، وخاصة ولده أبو جعفر الصدوق الذي ملا كتبه من الرواية عن أبيه .
كما ساهم شيخنا ابن بابويه في هذا المجال باعداد الكتب والمؤلفات كما سيجيء الحديث عنها .
والجدير بالذكر أن مدينة « قم » ، كانت تغص في هذه الفترة بالعلماء والمحدثين ، فقد كان أكثر مشايخه من ( قم ، وذكر العلامة التقي و المجلسي ) الأول في شرحه الفارسي على كتاب « من لا يحضره الفقيه ، ما نصه باللغة الفارسية : و در کتابی دیدم که در زمان علی ابن بابویه ، از محدثين درقم دويست هزار محدث بودند » (۱) . وترجمته : أني رأيت في كتاب انه كان في عصر ابن بابويه في مدينة قم مائتا الف محدث .
وحيث أن هذا العدد الضخم يدعو إلى الدهشة والاستبعاد ، تصدى
__________________
(١) لوامع صاحبقراني ( ج ۱ ص ٤٠٥ ) وإنما نقلنا النص الفارسي لما في ذلك العدد من الاستغراب .