الناس فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فإنه كانت لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، قُطعت إحداهما يوم صفين ، وهو عمار بن ياسر ، وقُطِعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر .
وحين بلغ أمير المؤمنين استشهاده ، كتب إلى محمد بن أبي بكر : « إن الرجل الذي كنتُ وليته مصر كان لنا نصيحاً ، وعلى عدونا شديداً ، وقد استكمَل أيامَه ، ولاقىٰ حِمامه ، ونحن عنه راضون فرضي الله عنه ، وضاعف له الثواب وأحسن له المآب » .
وقد جزع على فقده أمير المؤمنين جزعاً شديداً ، فقد قال حين بلغه موته : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم إني احتسبه عندك ، فإن موته من مصائب الدهر ، ثم قال : رحم الله مالكاً فقد كان وفىٰ بعهده ، وقضى نحبه ، ولقيَ ربَّه ، مع أنّا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مُصابنا برسول الله ( ص ) فإنها من أعظم المصائب » .
قال المغيرة الضُبّي : لم يزل أمر علي شديداً حتى مات الأشتر .
وعن جماعة من أشياخ النخع قالوا : دخلنا على علي أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر ، فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه ، ثم قال : للهِ درُّ مالِك ، وما مالِك ؟ لو كان من جبلٍ لكان فِنْداً . ولو كان من حجر لكان صلداً ، أما والله ليهدّن موتُك عالماً ، وليُفرحن عالماً ، على مثل مالِك فليبكِ البواكي ، وهل موجودٌ كمالِك ؟ !
وقال علقمة بن قيس النخعي : فما زال عليٌّ يتلهفُ ويتأسف حتى ظننا أنه المصابُ دوننا وعُرف ذلك في وجهه أياماً (١) . رحمة الله وسلامه عليه .
__________________
(١) الغدير ٩ / ٤٠ .