ولا ينكِلُ عن الأعداء ساعاتِ الروع ، أشدُّ على الفجّار من حريقِ النار ، وهو مالِكُ بن الحارث أخو مذحج ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق ، فإنه سيف من سيوف الله ، لا كليلُ الضُبّة ، ولا نابِي الضربة فإن أمركم أن تَنفِروا فأنفروا ، وإن أمركم أن تُقيموا فأقِيموا ، فإنه لا يقدِمُ ولا يُحجم ، ولا يؤخر ولا يقدِمُ إلا عن أمري ، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم ، وشدة شكيمته على عدوكم . . . » الخ .
وكتب ( ع ) إلى أميرين من أمراء جيشه :
« وقد أمرت عليكما وعلى من في حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر ، فاسمعا له وأطيعا ، وأجعلاه درعاً ومجنّاً ، فإنه ممن لا يُخاف وَهنُه ولا سَقطَتُه ، ولا بطؤه عما الإِسراع إليه أحزم ولا إسراعه إلى ما البطىء عنه أمثل . . » (١) .
قال ابن أبي الحديد : فأما ثناء أمير المؤمنين ( ع ) عليه في هذا الفصل ، فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل ، ولعمري لقد كان الأشتر أهلاً لذلك ، كان شديد البأس ، جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً ، وكان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطو في موضع السطوة ، ويرفق في موضع الرفق .
وقد ذكرنا بعض مواقفه في حرب الجمل وصفين فيما سيأتي من هذا الكتاب .
ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً إلى مصر والياً عليها لعلي ( ع ) ، قيل : سُقي سُمّاً . وقيل : إنه لم يصح ذلك ، وإنما مات حتف أنفه (٢) .
وفي الكامل لابن الأثير : دسَّ معاوية بن أبي سفيان للأشتر مولى عمر ، فسقاه شربة سويقٍ فيها سُمٌّ فمات . فلما بلغ معاوية موته ، قام خطيباً في
__________________
(١) الغدير ٣٩ .
(٢) شرح النهج ١٥ / ١٠١ .