والناس بعد ذلك ناصروك والله تبارك وتعالى كافيك أمرهم إن شاء الله تعالى . فعندها نادى عليٌّ رضي الله عنه في أصحابه وجمعهم ثم قال : أيها الناس ، إن الله تبارك وتعالى بعث كتاباً ناطقاً لا يهلك عنه إلا هالك ، وان المبتدعاتِ المشتبهات هنَّ المهلكات المرديات إلا من حفظ الله ، وان في سلطان الله عصمة أمركم ، فأعطوه طاعتكم ، ألا وتهيأوا لقتال الفرقة الذين يريدون تفريق جماعتكم ، فلعل الله تعالى يصلح بكم ما أفسد أهل الشقاق . . .
« ماء الحوأب »
وتقدمت عائشة فيمن معها من الناس ، حتى إذا بلغت إلى ماء الحوأب ـ وذلك وقت السحر ـ نبحت الكلاب ، فسمعت رجلاً من أهل عسكرها يسأل ويقول : أي ماءٍ هذا ؟ فقيل له هذا ماءُ الحوأب . فقالت عائشة : رُدّوني فقيل لها ولمَ ذلك ؟ فقالت لأني سمعت رسول الله ( ص ) وهو يقول : كأني بامرأةٍ من نسائي تنبح عليها كلابُ الحوأب ، فاتق الله أن تكوني أنت يا حُميراء . لكن عبد الله بن الزبير أتى بخمسين رجلاً يشهدون عندها أن هذا الماء ليس بماء الحوأب ، وانهم قد جاوزوا ماء الحوأب بليل . فكانت هذه الشهادة أول شهادة زورٍ في الإِسلام (١) .
وحين وصلوا إلى البصرة ، خرج إليهم عثمان بن حنيف فمانعهم وجرى بينهم قتال ، ثم إنهم اصطلحوا بعد ذلك على كفِّ الحرب إلى حين قدوم علي ، فلما كان في بعض الليالي بيّتوا عثمان بن حُنيف فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته وكان أخوه سهل بن حنيف والياً على المدينة من قِبلِ علي فخافوا منه على أقربائهم إن هم قتلوه فخلوا عنه وتركوه .
بعد ذلك أرادوا بيت المال في البصرة ليأخذوا ما فيه فمانعهم الخُزّان والموكلون به ـ وهم السبابجة (٢) ـ فقتل منهم سبعون رجلاً ، خمسون منهم
__________________
(١) راجع الفتوح ٢ / ٢٨٧ .
(٢) السبابجة ، قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزةُ وحراس السجن ـ لسان العرب ٢ / سبج ٢٩٤ .