يا ليتني لم أشهد ذلك المشهد ! يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة . ثم قالت عائشة : ولو لم أشهد الجمل لكان أحب إليّ من أن أيكون لي من رسول الله ( ص ) مثل ولد عبد الرحمن بن الحارث ، فإنه كان له عشرة أولاد ذكور كل يركب .
ونظر رجل من بني تميم إلى عبد الرحمن بن صرد التنوخي عاقر الجمل ، فقال له : أنت الذي عرقبت الجمل يوم البصرة ؟ فقال التنوخي : أنا والله ذلك الرجل ! ولو لم أعرقبه لما بقي من أصحاب عائشة ذلك اليوم مخبر ، فإن شئت فاغضب ، وإن شئت فارض ، ثم أنشأ يقول شعراً :
عقرت ولم أعقر بها لهوانها |
|
علي ولكني رأيت المهالكا |
وما زالت الحرب العوان يحثها |
|
بنوها بها حتى هوى العود باركا |
وأقام علي ( ع ) بالبصرة بعد حرب الجمل أياماً قلائل ، فلما أراد الرحيل عنها نصب في عسكره منبراً ، ثم نادى في الناس فجمعهم ، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ( ص ) وذكر من أمر القوم ما ذكر .
فوثب إليه المنذر بن الجاورد العبدي ، فسأل عن أمر الفتن وغيرها فأخذ علي في ذلك يخبره من يومه ذلك إلى أن تقوم الساعة ، فذكر الفتن في مدينةٍ مدينة وكيف تخرب ومن يتولى خرابها إلخ . . . ثم قال في آخر كلامه : يا منذر إنه لن تقوم الساعة إلا على أشرار خلق ربك ، وذلك في أول يوم من المحرم يوم الجمعة فافهم عني يا منذر ما نبأتك به ولم أكتمه عن غيرك والله ولي الإحسان . اللهم صل على سيدنا محمدٍ الكريم في الحسب الرفيع في النسب سليل عبد المطلب وسيد العجم والعرب وسلم تسليماً كثيراً ، ثم نزل عن المنبر وأمر أصحابه بالرحيل وانصرف إلى الكوفة مؤيداً منصوراً .