بإرجاع القطائع والأموال التي اقطعها عثمان لبعض ولاته وأقربائه وجعلها في بيت مال المسلمين ، وكان يقول في ذلك : « والله لو وجدته قد تُزوّجَ به النساءُ ، ومُلِك به الإِماءُ لرددته فإن في العدل سعةٌ ، ومن ضاق عليه العدلُ فالجورُ عليه أضيق » (١) .
وكان ( ع ) في سياسته أمور الناس أبعد ما يكون عن الدهاء ، الذي يعتبره ضرباً من ضروب المكر الذي ينتهي بصاحبه إلى الغدر ، فكان صريحاً واضحاً في مواقفه ، كاشفاً لحقائق الأمور بدون خوف ولا وجل ، متوخياً بذلك رضا الله سبحانه ، غير عابىءٍ بما ينتج عن ذلك من مضاعفات على الأرض قد تؤدي إلى خسارته وانكماش سلطانه ، وهو ( ع ) هو الذي يرى الدنيا عنده أزهد وأحقر من نعلٍ بالٍ إلا أن يقيم حقاً أو يدفع باطلاً .
لذلك ، كان البعض يظن أن معاوية تغلب في مواقفه بدهائه ومكره ، وأن علياً كان يفتقر إلى ذلك في سياسة الأمور ، ومنهم المغيرة بن شعبة الذي أشار على علي ( ع ) أن يقر معاوية على الشام حتى تستقيم له الأمور ، ثم بعد ذلك يرى رأيه فيه ، وكان جواب علي ( ع ) « ما كان الله ليراني متخذ المضلين عضدا » .
وفي هذا المضمار يقول علي ( ع ) : « والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ؛ ولكن كل غدرة فجرة ، وكل فجرةٍ كفرةٌ ، ولكل غادرٍ لواءٌ يعرف به يوم القيامة . والله ما أُستغفَلُ بالمكيدة ، ولا أستغمزُ بالشديدة » (٢) .
ومن طبيعة أرباب السياسة الفاجرة ، أن يجوروا في أحكامهم ضد الغير ، لا سيما حين يجدون أنفسهم في موقع صعب ينذر بإنهيارهم وسقوطهم ، ويجدون في ذلك الغير الذي هو خصم لهم القوةَ والكفاءة
__________________
(١) النهج ١ / ٤٦ .
(٢) النهج ٣ / ١٨٠ ( لا أستغمز بالشديدة يعني : لا يستضعفني شديد القوة .