للحكم ، فنراهم في هذا الحال ينسبون له جريمةً هو أبعد الناس عنها طمعاً منهم في إضعافه ولوي رقاب الناس عنه ، وتبريراً منهم لشن الحرب ضده أمام أعين الناس كي تخلو الساحة لهم ، وبذلك يستطيعون تنفيذ أطماعهم ومآربهم .
إن هذا اللون من السياسة الظالمة استعمل من الأمويين حيال علي ( ع ) إبان خلافته ، فانه بعد مقتل عثمان انصبت التهمة بقتله منهم على علي ، ومرجع ذلك في رأيي إلى أمرين :
الأول : هو الخوف من سيطرة مبادىء علي والعودة بهم إلى ما قبل الخلافة والإِمارة وبذلك يخسرون كل شيء ، بالإِضافة للخسارة الفعلية التي واجهوها في أمور دنياهم .
الثاني : ضياع دم عثمان بين المسلمين ، وبذلك يضيع ما بناه الأمويون خلال عشرين سنة ، وكفى به إذلالاً لهم .
والحق ، أن علياً كان أبعد ما يكون عن قدر محجمةٍ من دم عثمان ، بل هو على العكس من ذلك ، فلقد جهد بكل ما أوتي من قوة في إبعاد المسلمين عن الفتنة ، وردء القتل عنه ، وهو القائل لابن عباس حين أتاه برسالةٍ من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ينبع :
يا بن عباس ، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب ، أقبل وأدبر ! بعث إليَّ أن أخرج . ثم بعث إلي أن أقدم ، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج والله لقد دفعتُ عنه حتى خشيت أن أكون آثماً (١) ! .
وهو في الوقت ذاته ليس جندياً من أجناد السلطة الأموية حتى يكون ملزماً بالدفاع عن مصالحهم الشخصية التي تكرس لهم الحكم والسلطة لا أكثر ، بل إن المسلمين لا يرضون له ذلك مطلقاً ، فموقع علي ( ع ) في نفوسهم منذ عهد الرسول له ميزات لا يمكن تخطيها بسهولة .
__________________
(١) النهج ٢ / ٢٣٣ .