ثم التفت إلى الناس فقال : فكيف يبايع معاوية علياً وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد ، وجده عتبة في موقف واحد ، والله ما أظن أن يفعلوا ، ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المرّان (١) ، وتقطع على هامهم السيوف ، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد ، وتكون أمور جمّة بين الفريقين .
ثم إن أمير المؤمنين ( ع ) كتب إلى ولاته وعمّاله في الآفاق كتباً يوصيهم فيها بتقوى الله والعطف على الرعية ويأمرهم بالتوسعة في العطاء على من عندهم وإرسال ما يتبقى لصرفه في شؤون الجيش .
الإِنذار الأخير
وكتب إلى معاوية كتاباً يعظه فيه أولاً ويخوفه من الدنيا ، ثم يبكّته ويضعه في خانة العدو المغتصب للحق ، والمتسلط والباغي الذي ركبه الشيطان حتى جرى منه مجرى الدم في العروق ، وينصحه بالعودة إلى جادة الصواب ، ولعله آخر كتبه ( ع ) لمعاوية قبل الخروج للحرب ، وكأنه يعطيه الإِنذار الأخير ويقيم عليه الحجة ، وجاء فيه :
« إنك قد رأيت من الدنيا وتصرفها بأهلها وإلى ما مضى منها ، وخير ما بقي من الدنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضى ، ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بوناً بعيداً ، وأعلم يا معاوية أنك قد أدعيت أمراً لست من أهله لا في القَدَم ولا في الولاية ، ولست تقول فيه بأمرٍ بيّن تعرف لك به أثرة ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ولا عهد تدعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع إذا إنقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنياً أبهجت بزينتها ، وركنت إلى لذتها ، وخلي فيها بينك وبين عدوٍّ جاهد ملح ، مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتبعتها ، وأمرتك فأطعتها .
فاقعس (٢) عن هذا الأمر وخذ أهبة الحساب ، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يُجنُّك من مِجَنّ .
__________________
(١) الرماح .
(٢) أي تأخر وارجع .