فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقاً بلا عنَت ، ولا ضعف في قوته ، ولا حاجةٍ به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيداً ، وجعل منهم شقياً وسعيداً ، وغوياً ورشيداً .
ثم اختارهم على علمه ، فاصطفى وانتخب منهم محمداً ( ص ) ، فاختصه برسالته ، واختاره لوحيه ، وإتمنه على أمره ، وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين يديه من الكتب ، ودليلاً على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدّق ووافق وأسلم وسلّم ـ أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب ( ع ) فصدّقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ، فوقاه كلّ هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب حربه ، وسالم سَلْمَه ، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل (١) ومقامات الروع ، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله .
وقد رأيتك تساميه وأنت أنت . وهو هو المبرز السابق في كل خير ، أول الناس إسلاماً ، وأصدق الناس نية ، وأطيب الناس ذرية ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابنَ عم ، وأنت اللعين بن اللعين . ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتخالفان فيه القبائل . على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله ( ص ) والشاهد لعليٍّ مع فضله المبين وسبقه القديم ، أنصاره الذين ذُكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في إتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعلي ، وهو وارث رسول الله ( ص ) ووصيُّه وأبو ولده ، وأول الناس له إتباعاً ، وأخرهم به عهداً ، يخبره بسرّه ويُشركه في أمره ؛ وأنت عدوُّه وابن عدوه ؟! فتمتع ما
__________________
(١) الإزْل : الضيق والشدة .