هو يمغثه (١) ويلين من عريكته ، هتف به هاتف من أهل الشام يعرف بعرار بن أدهم : يا عباس ، هلم إلى البراز . قال العباس : فالنزول إذن ، فإنه أيأس من القفول ، فنزل الشامي وهو يقول :
إن تركبوا فركوبُ الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنّا معشرٌ نُزُل |
وثنى العباس رجله وهو يقول :
ويصدّ عنك مخيلة الرجل |
|
العرَّيض موضحة عن العظمِ |
بحسام سيفك أو لسانك |
|
والكل الأصيل كأرغب الكلم |
ثم عصب فضلات درعه في حجزته (٢) ، ودفع فرسه إلى غلام له أسود يقال له أسلم ، كأني والله أنظر إلى فلافل شعره ، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه ، فذكرت قول أبي ذؤيب :
فتنازلا وتواقفَتْ خيلاهما |
|
وكلاهما بطل اللقاء مخدّع |
وكفّت الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين ، فتكافحا ، بسيفيهما مليّاً من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس وهناً في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته ، ثم عاد لمجاولته وقد أصحر له ففتق الدرع ، فضربه العباس ضربةَ انتظم بها جوانح صدره ، فخرَّ الشامي لوجهه وكبّر الناس تكبيرةً ارتجت لها الأرض من تحتهم ، وسما العباس في الناس ، فإذا قائل يقول من ورائي : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ . . ) الآية . فالتفت فإذا أمير المؤمنين ( ع ) فقال لي : يا أبا الأعز ؛ من المنازل لعدونا ؟ قلت : هذا ابن أخيكم ، هذا العباس بن ربيعة . فقال ، وإنه لهو . يا عباس ، ألم أنهك وابن عباس أن تخلا بمراكز كما وأن تباشرا حرباً ؟! قال : إن ذلك كان . قال : فما عدا مما بدا ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أفأدعى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال : نعم ، طاعة امامك أولى من إجابة عدوك ، ثم تغيظ واستطار حتى قلت الساعة
__________________
(١) المغث : الضرب المخيف .
(٢) الحجزة : معقد الإزار .