الساعة !! ثم سكن وتطامن ورفع يديه مبتهلاً فقال : اللهم اشكر للعباس مقامه واغفر ذنبه ، إني قد غفرت له فاغفر له .
قال : ولهف معاوية على عرارٍ وقال ، متى ينتطح فحل لمثله ، أيطل دمه ؟ لا ها الله إذن ، ألا رجل يشري نفسه لله يطلب بدم عرار ؟ فانتدب له رجلان من لخم ، فقال لهما اذهبا ، فأيكما قتل العباس برازاً فله كذا . فأتياه فدعواه للبراز ، فقال : إن لي سيداً أريد أن أؤامره ، فأتى علياً ( ع ) فأخبره الخبر ، فقال علي ( ع ) : والله لود معاوية أنه ما بقي من بنى هاشم نافخُ ضُرمة إلا طعن في بطنه إطفاءً لنور الله ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) أما والله ليملكنهم منا رجال ورجال يسومونهم الخسف حتى يحتفروا الآبار ويتكففوا الناس ، ويتوكلوا على المساحي !!
ثم قال : يا عباس ، ناقلني سلاحك بسلاحي ، فناقله ووثب على فرس العباس ، وقصد اللخميين ، فما شكَّا أنه هو . قالا : أذِنَ لك صاحبك ؟ فحرج أن يقول نعم . فقال : أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . فبرز إليه أحدهما فكأنما اختطفه ، ثم برز له الآخر فألحقه بالأول ، ثم أقبل وهو يقول : « الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ » ثم قال : يا عباس ، خذ سلاحك وهات سلاحي ، فإن عاد لك أحد فعد إليّ .
فنُمي الخبر إلى معاوية ، فقال : قبّح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خُذلت فقال عمرو بن العاص : المخذول والله اللخميان لا أنت . فقال : أسكت أيها الرجل وليست هذه من ساعاتك ، قال : وإن لم يكن ، فرحم الله اللخميين وما أراه يفعل ، قال : فإن ذلك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجزتك ، قال : لقد علمت ذلك ، ولولا مصر لركبت المنجاة منها . قال : هي أعمتك ولولاها ألفيتُ بصيرا (١) .
__________________
(١) شرح النهج ٥ / ٢١٩ ـ ٢٢١ .