كان هناك قاسم مشترك جمع بينهما ، عقل عمار ونبله وأمانته ، وسر النبوة الذي كان لا يزال بعد في مطاوي الغيب يشع من عيني محمد أملاً وصفاءً ورجاء يستقر في قلوب الضعفاء والمقهورين ويميط عن أعينهم طيوف اليأس ووحشة الحياة .
إستطاع عمّار أن يصاحب محمداً في شبابه ، وأن يكون أميناً على شؤونه الخاصة ، لا يفش له سراً ، كما لا يألُ جهداً في إرضائه ، فكان يتوخى ما يسره ويؤنسه ، شأن الصديق المخلص لصديقه ، حتى أنه كان الوسيط في زواجه من أم المؤمنين خديجة .
وكانت خديجة من أكثر أهل مكة ثراءً ، وكانت قوافلها تعمل في التجارة بين الشام والحجاز ، وكانت من أهل الشرف والمكانة ، كما كانت على جانبٍ من الجمال ، رغب فيها أشراف مكة وكبراؤها ، فرغبت عنهم وردّتهم ، وألقى الله في قلبها حُبَّ محمدٍ ( ص ) فبادرت إلى عرض نفسها للزواج منه .
حدثنا عمار وهو يسرد كيفية زواج النبي ( ص ) من خديجة ، فقال : كنت صديقاً له ، فإنّا لنمشي يوماً بين الصفا والمروة إذا بخديجة بنت خويلد وأختها هالة ، فلما رأت رسول الله ( ص ) جاءتني هالة أختها فقالت : يا عمار ؛ أما لصاحبك حاجة في خديجة ؟
قلت : والله ما أدري ، فرجعت فذكرت ذلك له ، فقال : إرجع فواضعها (١) وعدها يوماً نأتيها فيه . ففعلت . فلما كان ذلك اليوم أرسلت إلى عمها عمرو بن أسد وسقته ذلك اليوم ، ودهنت لحيته بدهن أصفر ، وطرحت عليه حبراً ، ثم جاء رسول الله ( ص ) في نفرٍ من أعمامه تقدمهم أبو طالب .
فخطب أبو طالب ، فقال الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم ، وذرية إسماعيل ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً ، وحرماً آمناً ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه . ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله لا يوزن برجل من قريش إلا رجح ، ولا يقاس بأحدٍ إلا عظم عنه ،
__________________
(١) واضعها : فاتحها في الأمر .