آخر يختلف تماماً عن رفيقاتها ورفقائها ، حيث كانت تُعذَّبُ في نفسها وفي زوجها ياسر ، وفي ولدها عمار ، بل كان كل واحدٍ من هذه العائلة يلاقي نفس الدور من طاغوت مكة أبي جهل . . لقد كان نصيب آل ياسر من تلك المعاناة الحصة الكبرى والحظ الأوفر .
كانت سمية سابعة سبعةٍ في الإِسلام ، عجوزاً ضعيفةً وقعت في براثن وحش كاسر ، إلا أن نفسها كانت أصلب من الحديد ، وأقوى من السياط ، تواجه الحقد الأعمى لهباً يتمدد على جسدها الطاهر بإيمان قوي وعقيدة راسخة مما جعل طاغوت مكة أبا جهل يفقد صوابه . . لقد أراد أن يسمع منها ما يكرهه قلبها . . أن تنال من محمدٍ ودينه . . ولكنها أسمعته ما يكره ، فعمد إلى حربةٍ كانت بين يديه ، فوجأها في قلبها ، فكانت أول شهيدة في الإِسلام .
وواجه زوجها ياسر ـ الشيخ الهرم ـ عين المصير فأمسى نجماً متألقاً في سماء الشهادة .
وبين الوالد والأم كانت محنة عمّار ـ الابن ـ تتفاقم وتزداد حتى كأنه يتلقى صورة تعذيبهما نصب عينيه ونبأ استشهادهما عذاباً متجدداً عليه يضاعف آلامه ومحنه .
بالإِضافة إلى هذا فانهم لم يتركوا وسيلةً من وسائل القهر والتعذيب إلا استعملوها معه ، فتارةً يسحبونه على الرمضاء المحرقة مجرداً من ثيابه ، ثم يضعون صخرةً كبيرةً على صدره ، فان يئسوا منه لجأوا إلى تغريقه بالماء بغمس وجهه ورأسه حتى يختنق أو يشرف على الموت ، فكان لا يدري بما يقول !
قال بعضهم وقد رأى عماراً متجرداً في سراويل : نظرت إلى ظهره فيه حبط كثير ، فقلت : ما هذا ؟! قال : هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة (١) .
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤٨ .