فقبل وصيته ، وكان عثمان غائباً ، فلما عاد « رأى القبر فقال : قبرُ من هذا ؟ فقيل : قبرُ عبد الله بن مسعود . قال : فكيف دُفن قبل أن أعلم ؟ فقالوا : وَليَ أمرَه عمار بن ياسر . . ولم يلبث إلا يسيراً حتى مات المقداد فصلى عليه عمار ، وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به ، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال : ويلي على ابن السوداء ، أمَا لقد كنتُ به عليماً » (١) .
ومن هنا يتضح بأن ما حصل بين عثمان وعمار من عداءٍ لم يكن عداءً شخصياً نمىٰ وتطور حتى تحول إلى حرب مواقف ـ إذا صح التعبير ـ بين صحابيين كان بالإِمكان تلافيه ، أو على الأقل السكوتُ عنه حفظاً لمقام الخلافة وهيبتها . بل إن الأمر كان على العكس من ذلك . فالمتتبع للأحداث يلمس بوضوح أن الصراع بينهما كان صراعاً بين مبدئين . مبدأ يعتمدُ اللامحدودية في سلطته والنزوع وراء المُلْك ، ومبدأ يعتمد السنَّةَ النبوية الشريفة وسيرة الخلفاء الراشدين . فعثمانُ لم يكن وحده في آرائه ، وكذلك عمار لم يكن وحده في معارضته .
وعلى هذا يمكن القول أن خلافة عثمان أوجدت الفرصةَ لسيطرةِ الأمويين على مقدرات الأمة وأرزاقها عن طريق نفوذهم لسُدّة الحكم ، ولولا يقظة بعض الصحابة وحذرهم لتم لهم ذلك بشكل سريع ، لكن معارضتهم هي التي كانت تحول دون ذلك .
وقد حدد العقاد في كتابه عثمان ، نظرة عثمان للخلافة بقوله :
« فكانت له نظرةٌ للإِمامة قاربتْ أن تكون نظرةً إلى المُلك ، وكان يقول لابن مسعود كلما ألح عليه في المحاسبة : ما لَكَ ولبيتِ مالِنا ؟! وقال في خطبته الكبرىٰ يرد على من آخذوه بهباته الجزيلة : فضلٌ من مالٍ ، فلم لا أصنعُ في الفضل ما أريد ؟ فلِم كنتُ إماماً !! » (٢) .
وكان جديراً به أن يتقبل نصائح المخلصين من الصحابة ويناقش
__________________
(١) اليعقوبي ٢ / ١٤٧ .
(٢) عثمان : ٢١١ ـ ٢١٢ .