ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (١).
قالوا : أبو بكر وعمر وكثير ممن تابعهم ورضي بهم من جملة المبايعين باتفاق ، فيجب توجّه الرضوان إليهم ، وذلك يمنع من كفرهم ، ويقتضي ثبوت إيمانهم وإمامتهم.
والجواب : من وجوه :
منها : أنه لا حجّة لهم فيها على أصولهم ، لجواز الكفر بعد الايمان والسخط بعد الرضوان عندهم ، فعلى هذا لو سلّم توجّه الرضوان إلى المبايعين لم يمنع من السخط بما أحدثوه بعد البيعة من جحد النص وغيره ممّا بيناه ، كما لم يمنع ذلك من فسق طلحة والزبير وغيرهما من جملة المبايعين على ما أوضحناه.
ومنها : أنّ الرضوان على البيعة مشترط بالوفاء بما هي بيعة عليه ، بدليل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ [ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (٢) ، فليدلّوا على وفائهم بالبيعة ، ولن يجدوا سبيلا إليه ، بل المعلوم نكثهم بهزيمتهم عقيب هذه البيعة بخيبر ، فخرجا من الظاهر.
ومنها : أنّ الوعد بالرضوان على البيعة مشترط بإيقاعها لوجهها قربة إلى الله تعالى ، كسائر الطاعات ، فليدلّوا على وقوع بيعتهما ومن اتبعهما على هذا الوجه ، وهيهات ، بل الواقع من عمر في ذلك اليوم برهان واضح على ما شرحناه على تعرّي أفعالهما من الوجه الّذي يستحق به الرضوان ، فيختص بمن ثبت إيمانه من المبايعين ، فليدلّوا على ثبوت إيمانهم ليسلم لهم الظاهر ، بل ليسعون بثبوته عنه ، ولن يستطيعوه ، وأنّى لهم به ، وقد قامت البراهين السالفة بضلالهم.
ومنها : أنّ الرضوان في الآية متوجّه إلى المؤمنين عند الله تعالى ، المبايعين لوجه الله ، المعلوم ما في قلوبهم من الايمان والوفاء بالبيعة في المستقبل ، المنزول عليهم لذلك
__________________
(١) الفتح ٤٨ : ١٨.
(٢) الفتح ٤٨ : ١٠.