إِلَى اللهِ زُلْفَىٰ ) (١) ؛ فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه ، والإيمان به ، والمؤاساة له ، والصبر معه على شدّة أذى قومهم لهم ؛ وتكذيبهم إياهم ؛ وكلُّ الناس لهم مخالف ، زارٍ عليهم ، فلم يستوحشوا لقلّة عددهم وشنف الناس لهم ؛ وإجماع قومهم عليهم ؛ فهم أوّل من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبالرسول ؛ وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ؛ ولا ينازعهم ذلك إلاَّ ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار ، من لا ينكر فضلهم في الدين ، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته. وفيكم جلّة أزواجه وأصحابه ؛ فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا [ أحدٌ ] (٢) بمنزلتكم ؛ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتاتون بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور.
قال : فقام الحُباب بن المنذر بن الجموح ، فقال : يا معشر الأنصار ، أملكوا عليكم أمركم ؛ فإنّ الناس في فيئكم وفي ظلّكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاَّ عن رأيكم ، أنتم أهل العزّ والثروة ، وأولوا العدد والمنعة والتجربة ، ذوو البأس والنجدة ، وإنّما ينظر الناس إلى ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ،
__________________
(١) الزمر : ٣.
(٢) أثبتناه من (ب).