وعلى الجملة أن الأخبار مطلقة ، والإطلاق يكفي في الحكم بانفعال الماء القليل بالمتنجسات ، ومعه لا تسعنا المساعدة لما ذهب إليه صاحب الكفاية قدسسره من التفصيل بين ملاقاة النجاسات والمتنجسات كما لا وجه لما ادعاه من عدم دلالة دليل على منجسية المتنجس للقليل ، فإن إطلاقات الأخبار تكفي دليلاً على المدعى ، ومجرد أن انفعال القليل بملاقاة الأعيان النجسة هو المقدار المتيقن من المطلقات ، لا يمنع عن التمسك بإطلاقاتها لما قررناه في الأُصول من أن وجود القدر المتيقن في البين غير مضر بالإطلاق (١).
وقد يتوهّم تقييد تلك المطلقات بما ورد في رواية أبي بصير المتقدمة من قوله عليهالسلام « إلاّ أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك فأهرق ذلك الماء ... » حيث قيّد عليهالسلام الحكم بانفعال الماء بما إذا أدخل يده في الماء وفيها شيء من قذر بول أو جنابة ، ووجود القذر في اليد إنما يكون بوجود عين البول والجنابة فيها دون ما إذا زالت عينهما عن اليد ، فمقتضى الرواية عدم انفعال الماء القليل بملاقاة مثل اليد المتنجسة فيما إذا زالت عنها عين القذر من البول والمني فالمتنجس لا يوجب التنجيس وبها نقيّد إطلاق سائر الأخبار.
ولا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه ، وذلك لأن للقذر إطلاقين : فربما يطلق ويراد منه المعنى الاشتقاقي بمعنى الحامل للقذارة ، وعليه فإضافته إلى البول والجنابة إضافة بيانية كخاتم فضة أي قذر من بول أو جنابة ولا بأس بالاستدلال المتقدم حينئذ ، فإن مفهوم الرواية أنّه إذا لم يكن في اليد بول أو جنابة فلا بأس بإدخالها الإناء.
واخرى يطلق ويراد منه المعنى المصدري أي القذارة ، وبهذا تكون إضافته إلى البول والجنابة اضافة نشوية ومعناه أن في اليد قذارة ناشئة من بول أو جنابة ، وعليه لا يتم الاستدلال المذكور بوجه لأن اليد حينئذ وإن كانت خالية عن البول والجنابة إلاّ أنها محكومة بالقذارة الناشئة من ملاقاة البول أو الجنابة ، فصح أن يقال فيها شيء من القذر ، وبما أنه لا قرينة على تعيين إرادة أحد المعنيين فتصبح الرواية بذلك مجملة ولا يصح الاستدلال بها على التقييد.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٧٠.