الرحم نفخنا فيه الروح فصار بذلك خلقاً آخر غير سابقه ، وهو صيرورته إنساناً ، ومن شأن هذا الموجود الحالّ أنّ له تسلّطاً تامّاً على الجسم ، تصدر حركاته بمشيئته وأفعاله بإرادته.
بل الإنسان في الحقيقة عبارة عن هذا الموجود المقارن الحالّ ، وأمّا المحلّ فهو كقرينه وجليسه ، ومن معدّات بقائه في الدنيا ودوامه. ولذلك قال تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (١) فإنّ المخاطب في الآية الشريفة هو الإنسان بحقيقته ، وهو الذي يتوفّاه الملك ويأخذه إلى ربّه ، والباقي بعده لباس خلعه ورماه وغلاف تركه وألقاه ، ومن هنا يمكن أن يقال : إنّ ما ذكر في الكتاب العزيز من عنوان الإنسان والبشر وبني آدم والناس وكذا أسماء إشاراتهم وضمائر الغيبة والخطاب الراجعة إليهم لا يراد به إلّا هذا الموجود ، ولا ينطبق إلّا عليه ، فيكون ما نسب إلى تلك العناوين من الأعمال والأفعال والصفات ونحوها منسوباً إليه.
وهذا الموجود وإن لم ينكشف لنا إلى الآن حقيقته وماهيته إلّا أنّه قد أشير في الآيات والنصوص إلى جملة من أبعاده وأطرافه ، وشئونه وأوصافه فترى فيهما تعابير كثيرة ناطقة عن أحواله حاكية عن آثاره : كالروح والقلب والعقل والنفس وغيرها كما مرّ بعضها ويأتي بعضها الآخر.
الأمر الرابع : لا بدّ أن نشير في المقام على حسب اقتضائه إلى شيءٍ من الآيات الكريمة ونصوص أهل البيت عليهمالسلام ممّا فيه تبيان لحقيقة النفس
____________________________
١) السجدة : ١١.