الأعمال الصالحة ويكون ذلك لها ملكة راسخة. فالصفة مرتبة كمال خاصٍّ تعرضها بالجهاد والرياضة وتحمّل مشاقّ الطاعة والعبادة ، ولها مراتب أخر في رقاها وتكاملها ككونها مطمئنّةً وقدسيّةً وهكذا.
ثمّ إنّ في ذكر النّفس اللوّامة بعد القسم بيوم القيامة إشارة إلى التشابه بين لوم الإنسان نفسه في الدنيا ومحاسبة الله إيّاها في القيامة ، فإنّ اللوم في الباطن لا يجري فيه إخفاء ذنبٍ وإذهاب حقٍّ وعذر في الأمر وكذب في القضاء ، فهو واقع في باطن اللائم بأعدل طريقٍ بعين الله تعالى وعلمه وإن لم يعلمه أحد ، والمحاسبة في القيامة كذلك ، فتُبلى فيها السرائر ، فلا يتيسّر لأحدٍ العذر والإخفاء والستر ، ونعوذ بالله من سوء الحساب يوم التغابن والتناد ، ومن الفضيحة على رؤوس الأشهاد.
وقال تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ) (١). الشاكلة : اسم فاعل من شكل الشيء وشكّله ، إذا قيّده ، يقال : شكلت الدابّة أي : قيّدتها والمراد بها هنا : الطبيعة والسجيّة لأنّها تقّيد الإنسان بالعمل على طبق ميلها والجري على وفق هواها ، وتمنعه عن الانحراف عنه إلى غيره. فمفاد الآية الشريفة : أنّ الأعمال الصادرة من الإنسان مبناها الطبائع والسجايا ، فهي تصدر عن اقتضائها وهواها ودعوته إلى مناها. فإنّ بين الملكات والصفات النّفسية وبين الأعمال الخارجيّة رابطة خاصّة يحكم بها العقل والتجربة ، فإنّ الصادر في الحرب ـ مثلاً ـ من الشجاع مناضلة الأبطال ومن الجبان الفرار عن القتال ، وكلّ يحكي عن ملكةٍ خاصّةٍ. وكذا الفعل الصادر من السّخيّ
____________________________
١) الإسراء : ٨٤.