نقل كلام عن إمرأة العزيز بمصر أو عن يوسف النّبي عليهالسلام وفيه : توصيف النفس وتعريفها بأنّها كثيرة الأمر بالسوء وذلك لأجل اقتضاء طبعها ووجود غرائز مختلفة فيها فتدلّ الآية على أنّ هنا موجوداً متسلّطاً على الإنسان يأمره وينهاه. فالآمر هو النفس باعتبار اقتضاء غرائزها المودعة فيها والمأمور هو النفس أيضاً باعتبار جريها على طبق اقتضاء غرائزها.
وقال تعالى : ( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ). (١) أقسم الله تعالى بالنفس ووصفها بكثرة اللوم. ولله تعالى أن يقسم بما أراد من خلقه وليس لعباده إلّا أن يقسموا بذاته وصفاته ، ولكنّ أقسامه تعالى بأيّ شيءٍ يكشف عن وجود قداسةٍ وخيرٍ في المقسم به. فيمكن أن يراد بالنفس هنا : المتّقية التي تلوم نفسها أبداً على تقصيرها في طاعة ربّها وإن كانت عاملةً ناصبةً ، أو تلوم غيرها من الناس مخالفة الله تعالى وعصيانهم ، أو يراد بها : النفس المطمئنّة التي تلوم النفوس اللوّامة وغيرها وتهديها إلى كمالها اللائق بها. وعلى هذا فكلمة « لا » زائدة ، يؤتي بها غالباً فيما قبل القسم ، ويمكن أن يراد بها : النفس الخاطئة الفاجرة التي تلوم نفسها في الدنيا على ما لم تنل إليها من الأموال والشهوات ، أو تلومها يوم القيامة على كفرها ونفاقها وعصيانها وطغيانها وأنّى لها الذكرىٰ وعلى هذا فكلمة « لا » نافية لا زائدة.
ثّم إنّ اتّصاف النفس بصفة اللوّامة لا يكون إلّا بعد أن تهذّب وتربّى بآداب الدين وتزكّى تطهّر بتعاليم الشريعة حتّى تتعوّد على
____________________________
١) القيامة : ١ ـ ٢.