والمعارف ، وحيث أنّ أوسع الطرق المجعولة لارتباطها مع الخارج السمع والبصر خصّهما بالذكر.
وفي قوله : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) الخ ، بيان أنّ الله قد هداها إلى خيرها وشرّها بإرائة شواهد الوجود وآيات الآفاق والأنفس ، وإبلاغ دعوة الأنبياء وعرض الكتاب والشريعة. فقد تحصّل من الآية الشريفة : أنّ هنا موجوداً مخلوقاً من موادّ مختلفة ( ولعلّها هي السلالة من الطين ) قد أودع الله فيه صفات وملكات ووهبه قوّةً بها يدرك نفسه ويعرف صفاته وملكاته ، ويجري أينما جرىٰ بإرادته واختياره فهو إمّا شاكر أو كفور. وهذا الموجود هو الجوهر اللطيف الذي كنّا بصدد تعريفه وأخذه موضوعاً للعلم من حيث أوصافه وسجاياه.
وقال تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (١) أي : أقسم بالنفس وبمن خلقها وصنعها وأفهمها عصيانها وطاعتها ، فالآية تشير إلى أنّ هنا موجوداً مسمّىً بالنفس صنعه الله تعالى وأنشأه ، ومن شؤونه وأحواله أنّ الخالق أعلمها قبائح الأمور التي تخرجها عن الاستقامة ، وألهمها طريق تحفّظها واتّقائها عن القبائح.
وهذا الإلهام إمّا بإعطاء العقل المدرك للحُسن والقبح ، أو إرسال الرسل والكتب والشرائع ، أو بكلا الأمرين كما قال تعالىٰ : ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) أي : الطريقين ، طريق الخير وطريق الشرّ ، فهداه إلى الطريقين بحجّتين.
وقال تعالى : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (٢). هذا
____________________________
١) الشمس : ٧ ـ ٨.
٢) يوسف : ٥٣.