باقية أبداً شبه المجرّدات ، فالآية الشريفة على هذا المعنى تبيّن معنى الروح والنفس الانسانيّة وتشير إلى مبدء خلقها.
وقال تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (١).
النطفة في اللغة : الماء ، أو القليل منه أو الصافي منه ، والمراد هنا : نطفة الرجل والمرأة ، والأمشاج ـ جمع مشج بالفتح فالسكون أو بفتحتين ـ أي المختلط من شيئين أو أشياء ، فمقتضى كلمة الجمع تركّب النطفة من أشياء كثيرة ، والابتلاء : نقل الشيء من حال إلى حالٍ ، أو بمعنى : الامتحان والاختبار. والظاهر أنّ الآية الشريفة في مقام بيان كيفيّة خلق الإنسان ومبدئه ومنتهاه ، والمعنى : أنّ الله خلق الإنسان من مادّةٍ ممتزجة من عناصر كثيرة جدّاً ، لكلٍّ منها إقتضاء وتأثير يدعوا صاحبه للحركة نحوه ، ويقتضي جريه على وفقه ، فتتعارض وتتمانع العناصر في مقام اقتضائها وتجاذبها التكوينيّ ، وحيث أنّه قد أودع الله تعالى في وجوده قوّة عاقلة مائزة بين الخير والشّر يكون جريه على وفق أيّ مقتضٍ وداعٍ بإرادته واختياره فيحصل الابتلاء والامتحان. فقوله : ( نَبْتَلِيهِ ) في مقام التعليل لتركيب الأجزاء المختلطة ، وأنّ المزج لغرض ذلك الابتلاء.
وتفريع قوله : ( فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) لبيان أنّ مجرّد وجود تلك القوّة وكونها مستعدّةً للعلم والإدراك غير كافٍ في تحقّق الابتلاء ، بل اللازم اهتداؤها من الخارج نحو ما تحتاج إليه ويصلحها من العلوم
____________________________
١) الدهر : ٢ ـ ٣.