تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ... ).
وقال المفيد ـ رحمهالله ـ ما حاصله : إنّ الأرواح بعد الأجساد على ضربين : منها ما ينقل إلى الثواب أو العقاب ، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب. وقد روي عن الصادق عليهالسلام ما ذكرنا ، وسئل عمّن مات أين تكون روحه ؟ فقال عليهالسلام : « من مات وهو ماحض للايمان محضاً يجعل في جنانٍ من جنان الله ، يتنعّم فيها إلى يوم المآب » (١).
وشاهد ذلك ما حكاه الله تعالى عن قول حبيب النّجار بمجرّد قتله ودخوله في عالم البرزخ : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) (٢) ومن ماحض الكفر محضاً يجعل في النار فيعذّب بها إلى يوم القيامة ، وشاهد ذلك قوله تعالى في آل فرعون بعد أن أهلكهم الله : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (٣) والغدوّ والعشيّ من شؤون برزخ الدنيا. وقال تعالىٰ في الضرب الاخر : ( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) (٤). فبيّن أنّ قوماً عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتّى يظنّ بعضهم أنّ ذلك كان يوماً ، ولا يمكن ذلك في حقّ من لم يزل منعّماً ، أو لم يزل معذّباً إلى يوم القيامة.
وهل المنعّم والمعذّب بعد الموت ، الروح أو الجسد الذي فيه الحياة ؟ الأظهر عندي أنّه الجوهر المخاطب ، وهو الروح التي توجّه اليها
____________________________
١) بحار الأنوار : ج ٦١ ، ص ٨١.
٢) يس : ٢٦.
٣) غافر : ٤٦.
٤) طۤه : ١٠٤.