وتم لهم ما ارادوا. وعلى اثر هذا الحادث تحركت حكومة بغداد فأرسلت جيشاً جراراً يضم خمساً وأربعين ألف جندي يقوده ( الكابتن بلفور ). فطوق المدينة بالجنود ، وحفر الخنادق ، وقطع عنها الماء ، وحاصرها من جميع الجهات. فدارت بين الثوار وجنود المحتلين معارك طاحنة حصدت من الطرفين نفراً كثيراً.
واستمر الحصار على البلدة أكثر من أربعين يوماً ، وأشرف الأهلون على مجاعة ، فطالبوا السلطة بفك الحصار والعفو عن الثوار ، الاّ انّ السلطة المحتلة فرضت لفك الحصار شروطاً لم يجد النجفيون بُداً من تنفيذها. وبذلك تم للبريطانيين الغلبة فقبضوا على قادة الثورة واعدموا منهم عدداً ونفوا آخرين.
وعن هذه الثورة وما ترتب عليها من معطيات ثمينة يقول جعفر آل محبوبة : « ونستطيع أن نقول بلا مجازفة إنّ ثورة النجف هذه هي الخطوة الأولى للقضية العراقية والبذرة الوحيدة لنتاج الفكرة الفراتية واتجاهها نحو استقلال العراق. إذ النجف هو المركز الروحي والعاصمة الكبرى لعموم الشيعة وقد أعطت بموقفها هذا درساً شافياً ومنهجاً واضحاً نفعها في نيل مآربها وتحقيق رغائبها في فك شعبها من رق الاستعمار. ومما ساعد على ذلك أن فكرة الحرية والاستقلال وإحياء المجد العربي قد تغلغلت في الأدمغة ونضجت وشعر بها أكثر العراقيين فلذلك نجحت نجاحاً باهراً وتقدمت تقدماً غريباً » (١).
وقد وصف الشيخ محمد جواد الجزائري (٢) ثورة النجف بقصيدة رائعة قال فيها :
مددنا بصائـرنا لا العيونـا |
|
وفزنا غـداة عشقنا المنونـا |
__________________
١ ـ المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٥٠.
٢ ـ محمد جواد الجزائري ( ١٢٩٨ ـ ١٣٧٨ هـ ) عالم مجاهد ، وشاعر معروف. ( شعراء الغري ، ج ٧ ، ص ٣٥٠ ).