الشعر عند الفرطوسي طبيعة وسجية لا تكلف وصنعة. فهو لا يمارس النظم بل يجري النظم على لسانه بصورة عفوية وتلقائية حين تنطلق قريحته الوقادة لتصور المشاعر والأحاسيس والأخيلة التي لا تلتقط الاّ بعدسة الشاعر الفنية. فالشاعر كما يراه الفرطوسي : « مصور الخواطر النفسية الذي يلتقط الصور المعنوية من حياة المجتمع بريشة ذهنه المتوقد وخياله العبقري وإنّ الاضمامات المتنوعة التي يعرضها في حقله الشعري ليست هي الاّ تلك الصور الاجتماعية التي انتزعها من صميم المجتمع عندما تغلغل في أعماقه فوقف على آماله وآلامه ونعيمه وشقائه وهواجسه وخواطره (١) ».
وإذا كان الشاعر يرى مالا يراه الناس أو بعبارة اخرى ينظر الى أسرار الأشياء لا الى الأشياء ذاتها ، فهذا يعني أنّ طبيعة الشاعر تختلف اختلافاً واضحاً عن طبائع الناس بسبب قدارته المتميزة ، وخياله الخصب ، واستعداده الفطري ، ومواهبه الشعورية الفذة.
ومن الطبيعي أن تكون هذه العوامل أساساً لبلورة الشاعرية الاّ انّها غير قادرة بحد ذاتها على ترجمة الصور والاخيلة الى ألفاظ شعرية مالم تتوفر لدى
__________________
١ ـ ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٦.