والنجف كما وصفها المؤرخ عبد الرزاق الحسني : « كانت قذىً في عين السياسة البريطانية ... بسبب مركزها الديني الواسع النطاق ، وتأثير علمائها في جماهير الشعب ، فقد كانت أول بلدة أحسّت بثقل السلطة الأجنبية ، وأول مدينة عراقية فكرت بالتخلص من الاستعمار البريطاني ، بالنظر الى ما كانت قد تشبعت به من روح الحرية والنزوع الى الديمقراطية ، وبسبب ما كانت تلقاه من دروس متواصلة عن فلسفة نهضة الامام أبي عبد الله الحسين بن علي عليهماالسلام ، وبسبب كونها مهد العلماء ومركز الروحانية » (١).
وبدأ التحرك السياسي للشعب بالمطالبة بحقوقه واستقلال بلاده وذلك عن طريق تنظيم المضابط والرسائل وارسالها الى سوريا والحجاز للنظر في الامر. الاّ أن ذلك لم يجد نفعاً ، فقررت الجهات العاملة في الحقل الوطني بمظاهرات سلمية تحت شعار الدين ، بمعنى أن تكون المناسبات الدينية وحفلات المولد النبوي اجتماعات سياسية لبحث القضية الوطنية والمطالبة بالحقوق المشروعة. واستمر هذا الغليان حتى كانت محاولة القبض على الزعماء السياسيين في بغداد في الثاني عشر من آب عام ١٩٢٠ م ، فتقرر القيام بالحركة المضادة (٢).
وهكذا أخذ العمل السياسي ضد الانجليز يسير نحو التصعيد ، وبتوجيه من علماء الدين ، وخاصة بعد فتوى الامام محمد تقي الشيرازي التي جاء فيها : « المطالبة بالحقوق واجبة على العراقيين ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن ، ويجوز لهم التوسل بالقوة إذا امتنع الانجليز عن قبول مطالبهم » (٣).
واندلعت الثورة العراقية الكبرى في الثلاثين من حزيران عام ١٩٢٠ والتي
__________________
١ ـ الثورة العراقية الكبرى ، ص ٦٩ ، ٧٠.
٢ ـ المصدر السابق ، ص ١٩٠.
٣ ـ عبد الصاحب الموسوي : حركة الشعر في النجف ، ص ٩٠.