وليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر ، وبيعة يزيد الخليع ، والإستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الكتاب وردّ السنّة ، إذ كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره ، إلاّ أنّ أحدهما أعظم ، وعقاب الآخرة عليها أشدّ.
فهذه أوّل كفرة كانت من الأمّة ، ثم لم تكن إلاّ فيمن يدّعي إمامتها والخلافة عليها ، على أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره ، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ، ومبتدعة دهرنا ، فقالوا : ( لا تسبّوه فإنّ له صحبة ) ، و ( سبّ معاوية بدعة ) ، و ( من يبغضه فقد خالف السنّة ) ، فزعمت من السنّة ترك البراءة ممن جحد السنّة ... إلى آخر ما ذكر من جرائم الأمويين.
إلى أن قال : فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضلال ، وذلك أدنى منازله ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون ) (١).
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو : دعنا عنك ، كناية عن الإلحاد بل تصريح به ـ أي دع هذا الكلام لا أصل له ، فإنّ إعتقاد الآخرة وأنّها لا تُباع بعرض الدنيا من الخرافات ـ قال رحمه الله تعالى : وما زال عمرو بن العاص ملحداً ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله ، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأنّ معاوية عض أذن عمرو ، أين هذا من أخلاق
____________
١ ـ رسالة الجاحظ / ٢٩٢ ـ ٢٩٧ ، الرسالة الحادية عشر ، جمع ونشر حسن الطبعة الأولى بالمطبعة الرحمانية بمصر١٣٥٢ هـ.