عجيبٌ أن تنطليَ على أجيال من أهل القراءة والكتابة ، الذين تتميّز عندهم المفاهيم بحدودها ورسومها؛ فكيف غاب عمّن ينسبون إلى معاوية الحلم ، أنّ قلبه كان غليظاً لا أثر للرّحمة فيه؟! وهل يجتمع الحلم وبغض عليّ والحسن والحسين؟ أليس الحليمُ هو الذي يعفو عند المقدرة عمّن أساءَ إليه؟ فمتى فعل معاوية هذا وتلك قصّته مع حجر بن عديّ وأصحابه ، وله قصّة مع عمر وبن الحمق وقصّة مع عبد الرحمن العنزيّ تجعل الولدان شيباً (١) ، وقصّة أخرى مع عبد الرحمن بن عديس البلويّ الذي بايع تحت الشجرة؛ إنّ الحليم لا يذكر الموتى إلاّ بخير ، ومعاوية كان يسبّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ويشتمه ويلعنه على المنبر ، ويشترط ذلك على كلّ من يُوليّه على رقاب المسلمين؛ وهل يجتمع الحلم والغدر؟ وقد افتتح معاوية حكمه بالغدر حين قال أمام الملأ في مسجد الكوفة ( ألا وإنّ كلّ شرط أعطيته للحسن بن عليّ فتحت قدميّ هاتين ) (٢)!
قال الجاحظ في ( البيان والتبيان ) :
( قيل لشريك بن عبد الله : كان معاوية حليماً؟
____________
١ ـ القصة مذكورة في كلّ من تاريخ الطّبريّ ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت وتاريخ ابن عساكر٢ / ٣٧٩ دار الفكر ١٤١٥ ، والكامل لابن الأثير ٣ / ٢٠٩ ، دار الكتب العلمية بيروت ١٤١٥ هـ. فقد أمر بعقوبته ، فدفن حيّاً بقس الناطف.
٢ ـ العبارة في شرح نهج البلاغة كما يلي : وأما أبو إسحاق السّبيعيّ فقال : إنّ معاوية قال في خطبته بالنّخيلة : ألا إنّ كلّ شيء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين لا أُفي به ، قال أبو إسحاق : وكان والله غدّاراً ، ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ / ٤٦ ).