ظهرت لابن عباس حقائقهم ومدى إصرارهم على ضلالاتهم ، كما ظهرت لهم أيضاً حقيقة ابن عباس على واقعها في مبادئها التي لم تعجب الخوارج كثيراً ، بل كانت ضدّ مذهبهم في مقولتهم ( إنّ من لم يكن معهم في فكرتهم فهو فاسق ، وهو غير مؤمن ، فيحلّ قتله وقتل أطفاله واستحياء نسائه ) ، ولولا سيطرة الحاكمين وضجيج المسلمين من جرائمهم وفظائع أعمالهم ، لعاثوا في الأرض فساداً أكثر ممّا عملوا ، حيث أفشوا القتل الذريع خصوصاً في مخالفيهم في العقيدة ، وقويت شوكتهم بمكة في أيام ابن الزبير ، فكانوا يحجون على راية لوحدههم على تعدد فرقهم.
وكان أشدّ فرق الخوارج منابذة لابن عباس هم الأزارقة تبعاً لرئيسهم نافع بن الأزرق ، وله مواقف خصومة وجدل مع ابن عباس ، سنأتي على ذكرها قريباً كما ستأتي جملة مسائله في غريب القرآن في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.
وقد كان أهونهم تسامحاً هم النجدات أتباع نجدة بن عويمر ـ عامر ـ الذي كان يسأل ابن عباس عن بعض الأحكام الشرعية ، ويستخدم تلك الكتابات وسيلة إقناع للأتباع بأنّه لم يمرق من الدين كما مرق غيره من بقية فرق الخوارج ، وستأتي بعض كتبه.
ولنبدأ الآن بما جرى بينه وبين زعماء الخوارج من محاورات بدءاً من أيام التحكيم الأولى في حروراء ومروراً بما نجم من خلاف ، سعُر أواره في حرب النهروان ، ومن بعدُ في يوم النخيلة ، وانتهاءاً بما كان يجري مع الأفراد من رجالهم المبرّزين ، كزمعة بن خارجة ونافع بن الأزرق ـ رأس الأزارقة