وقد عانى من معاوية كثيراً ، لأنّ معاوية كان وريث الحقد القرشي والكفر الأموي ، وقد تحكم في مقادير الأمور ومصائر الناس ، ولديه من أسباب الترغيب والترهيب ما يعجز القلم عن وصفه ، ولولا أساليبه في الخداع لما إستدام حكمه أربعين سنة ، ولولا مواقف ابن عباس رضياللهعنه معه لضاعت جملة الحقائق التي وصلت إلينا بعض أخبارها.
فلقد مرّ بنا في أولى محاوراته قول معاوية له : ( إنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر عليّ بن أبي طالب فكفّ لسانك يا بن عباس وأربع على نفسك ... ) ، فكان جواب ابن عباس بمنتهى القوة والحجة حين قال : ( إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان؟ أو أسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى والمجوس؟ ) ، وفي ختام ذلك الحوار قال ابن عباس : ( قال الله في القرآن : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(١) ). فتلك المحاورة جديرة بالقراءة مراراً للحفظ والإستظهار.
كما إنّ استشهاد ابن عباس بالآية المذكورة يثير علامة إستفهام! هل أنّ ابن عباس كان هادفاً إلى أظهار كفر معاوية؟ ولم لا يكون كذلك بعد أن أطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، وبدت جاهلية الأمويين تطلّ بوجهها القبيح من خلال سلوك معاوية أقوالاً وأفعالاً.
____________
١ ـ التوبة / ٣٢.