فقال الشامي : إنّهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته ، غير أنّهم يزعمون أنّه قتل الناس. وإنّما جئتك لأسألك عن عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله ، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحج ولا بصيام رمضان.
فقال ابن عباس : ثكلتك أمّك ، سلّ عما يعنيك ولا تسأل عمّا لا يعنيك.
فقال يا ابن عباس : ما جئت أضرب إليك من حمص لحج ولا لعمرة ، ولكن جئتك لأسألك لتشرح لي من أمر عليّ وقتاله أهل لا إله إلاّ الله؟
فقال ابن عباس : ثكلتكم أمهاتكم ، إنّ عليّاً أعرف بالله عزوجل وبرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبحكمهما منكم ، فلم يقتل إلاّ مَن استحق.
قال : يا ابن عباس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ، ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي ، فإنّ القوم هالكون في أمره ، ففرّج عنهم فرّج الله عنك.
فقال ابن عباس : ويحك إنّ علم العالِم صعب ولا يحتمل ولا تقبله القلوب ، ولا تقرّ به قلوب أكثر الناس ، إلاّ قلب من عصمه الله ، يا أخا أهل الشام ، إنّما مثل عليّ في هذه الأمّة في فضله وعمله كمثل موسى والعالم ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )(١) ، فظن موسى عليهالسلام أنّه بلغ غاية العلم ، كما ظننتم أنّ علماءكم قد بلغوا ذلك أثبتوا لكم جميع الأشياء ، فأراه الله عزوجل عجزه بإمتحان العالم إياه وصحبته له ، فلمّا انتهى موسى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه فأقّر له
____________
١ ـ الأعراف / ١٤٥.