للتنديد بابن الزبير يبث فيه ما وعى وحوى من العلم النافع ، وكثر عكوف الناس عليه ، فصار يخطب فيهم مندداً بابن الزبير من غير أن يسمّيه ، ويكنّي عنه كناية أبلغ من التصريح ، وبلغ خبره ابن الزبير فغاضه ذلك.
وقد حدّث المدائني عن جانب من ذلك ، فقال :
( كان يحمد الله ويذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والخلفاء بعده ويقول : ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من يدانيهم ، ولكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن تحتها قلوب الذئاب والنمور ، ليظن الناس أنّهم من الزاهدين في الدنيا ، ويراؤون الناس بأعمالهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمّة بالخير والإحسان ، فيولّي أمرها خيارها وأبرارها ، ويهلك فجّارها وأشرارها. ارفعوا أيديكم إلى ربّكم وسلوه ذلك ) (١). فيفعل ذلك أهل الطائف ذلك ويؤمّنون على دعائه.
وتطايرت الأخبار إلى ابن الزبير بواسطة رجاله عن نشاط ابن عباس في الطائف وحاله ، ومدى تأثيره في الناس واستجابتهم لمقاله ، فأقلقه ذلك وتميّز غيظاً وغضباً ، فكتب إليه كتاباً يفيض بالحقد والشنآن والإحن والأضغان ، يقول فيه :
( أمّا بعد ، فقد بلغني أنّك تجلس بالطائف العصرين ، فتفتيهم بالجهل ، وتعيب أهل العقل والعلم ، وإنّ حلمي عليك ، واستدامتي فيأك جرأك عليَّ ، فاكفف لا أباً لغيرك من غربك ، وأربع على ضلعك ، واعقل إن كان لك
____________
١ ـ شرح نهج البلاغة ٢٠ / ١٢٥.