لقد كان لابن عباس رضياللهعنه كسائر بني هاشم سلطة تفتيق المعاني ، وإبرازها بألفاظ تليق بها ، بعيدة عن التقعر والإحرنجام ، ولا بدع فيمن كان من أهل بيت هم معدن الفصاحة أن يكون كذلك.
وقد زاد في نضجه وشموخه تربيته على يد المعلم الذي سنّ الفصاحة لقريش ، فتعلم منه ، وحفظ من كلامه بإسلوب نظامه ، ما رفع من مقامه ، حتى شهد له بذلك عدوه اللدود معاوية بن أبي سفيان في بعض محاوراته التي جرت بينهما ، وكان ابن عباس هو الفائز بحجته على محاوره ، فقال فيه معاوية :
حصيد اللسان ذليق الكلام |
|
غير عييّ ولا مسهب |
يبذّ الجياد بتقريبه |
|
ويأوي إلى حُصُر ملهب |
كما كانت لديه نظرات ثاقبة يستكشف بها دخائل بعض النفوس ، وينظر إلى عواقب الأمور قبل وقوعها ، وهذا هو معنى كلمة الإمام عليهالسلام ( ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ) (١).
____________
١ ـ التذكرة الحمدونية ٣ / ٣٠٥ ، وعيون الأخبار ١ / ٣٥ ، والعقد الفريد للملك السعيد / ٤٥ ( يقوله في العباس عمه ).