رفعوه ، قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه (١) ، ثم قال له : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( أجل يا شيخ ، ما علوتم تلعة (٢) ولا هبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من الله وقدر ).
فقال له الشيخ : عند الله أحتسب عنائي (٣) يا أمير المؤمنين.
فقال له : ( مَه يا شيخ! فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين ).
فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟
فقال له : ( وتظن أنّه كان قضاءً حتماً وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدةٌُ للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان ،
____________
١ ـ جثا يجثوا جثواً وجثياً : جلس على ركبتيه وأقام على أطرافه أصابعه.
٢ ـ التلعة : ما أرتفع من الأرض.
٣ ـ أي منه أطلب أجر مشقتي.