وقد أجاد في المسالك في مقام الاستدلال على المدعي حيث تمسك في اعتبار العلم بمثل قوله تعالى « السّارِقُ وَالسّارِقَةُ » ، فإن الخطاب بقطع السارق وغيره من الخطابات لا يحتاج في تنجيزها سوى العلم القاطع للعذر.
ومن هنا ظهر أن التمسك بأدلة البينة أو ببعض ما ورد في باب القضاء من حصر الموازين في الأربعة أو نحو ذلك. فاسد جدا ، للقطع بأن الموازين الشرعية كلها أمارات على الواقع ، ومن شأن الامارة اختصاصها بالجاهل.
والحاصل ان القول بعدم حجية العلم للقاضي وانه انما يقضي حسب البينة مثلا ولو علم بكذبها تصويب محض أما في الموضوعات ، فهو باطل بالضرورة والإجماع ، لأن القاتل والزاني والمديون ونحوها من موضوعات الاحكام ليس مما يعم الموضوع الواقعي وما يقام عليه البينة إجماعا وضرورة من العامة والخاصة ، أو تصويب في الموضوعات بملاحظة تعلق الاحكام ، بمعنى ثبوتها للأمرين الموضوع الواقعي والظاهري الذي أقيم عليه البينة.
وهذا وان لم يكن ضروري البطلان كالأول ـ بل ربما قال به بعض ـ ولكنه بديهي السقوط عن الانظار ، فالحق ما عليه الأكثر من القضاء بالعلم مطلقا.
وأما الامام عليهالسلام فقد نقل الاتفاق على قضائه بعلمه ، فالأمر فيه أوضح بعد دعوى غير واحد الاتفاق عليه.
وأما ظاهر بعض الروايات الدالة على اغضائهم عليهمالسلام عن علومهم في المعاملة مع الناس ، بقول مطلق أو في خصوص فصل الخصومات. فروايات متشابهة قابلة لضروب من التأويل والتوجيه التي : منها عدم التفتيش والسؤال لا عدم العمل بالعلم مع حصوله ، ومنها اقتضاء المصلحة في خصوص المقام للاعراض عن الواقع ، ومنها غير ذلك مما لا يحد تحت حد ، مضافا الى عدم وضوحها سندا ودلالة.