وبعبارة أخرى : إذا كان قول الجارح في صورة التأخير ظاهرا وقول المعدل نصا لزم أن يكون في صورة الاتحاد ـ أي اتحاد زماني الفسق والعدالة كأن يقول الجارح هو فاسق الان والمعدل هو عادل الان ـ ظاهرين متعارضين موجبين للتوقف ، كما هو الشأن في تعارض الظاهرين الا أن يكون قول الجارح مقدما ـ فافهم.
( وثانيا ) ان وجه تقديم قول الجارح في صورة الاتحاد بعينه موجود في صورة التغاير ، واحتمال استناد قول المعدل الى علمه بالتوبة بعد الفسق الذي أخبر به الجارح موجود فيها أيضا. وقد عرفت أن هذا الاحتمال أمر خارج عن حاق التعديل ، فلا يصار اليه الا بتصريح المعدل به.
هذا هو الكلام في صورة الإطلاق ، أي فيما لم يرجع الجرح والتعديل الى التكاذب ، فان رجعا اليه فالمشهور أيضا تقديم قول الجارح ، عملا بمعنى التوقف والرجوع الى ما يقتضيه أصالة عدم العدالة والتكاذب ، بأن عين الجارح زمان المعصية وشهد المعدل بأنه في ذلك الزمان كان مشغولا بعمل ينافي الاشتغال بتلك المعصية.
ومن صورته أيضا ما لو كانت المعصية المشهود بها مما لا يجامع الملكة ، كقطع الطريق وأخذ عشور أموال المسلمين ، فإن أمثال هذه الكبائر العظمى القريبة من الكفر لا تجامع ملكة العدالة ، فالاخبار بها اخبار بعدمها ، كما أن الاخبار بالملكة اخبار بخلافها وعدم صدورها. ومثله ما لو كانت المعصية مما يمتنع خفاؤها على المعدل عادة فإنه يرجع أيضا الى التكاذب.
لكن لا يبعد تقديم قول المعدل في هذه الصورة إذا كان المعدل يدعي الاطلاع على وجه صحيح لهذا العمل القبيح الصوري مع اختفائه على الجارح ، فيكون الجرح حينئذ بمنزلة الاخبار عن الظاهر والتعديل بمنزلة الاخبار عن الباطن.