عن اليمين ، فالفرق بين المقامين انما جاء من قبل الفرق بين بينهما لأمن أنفسهما.
وانما لم تسمع البينة الغير الوافية في المقام الأول لأنه لا يلزم من عدم سماعها محذور ، إذ المنكر ـ أعني مدعي الإعسار في المقام الأول ـ ان شاء أن يستريح عن اليمين فعليه إقامة البينة الوافية وان عسر عليه إقامتها فيستريح الى اليمين ، إذ لا يطالب منه أزيد منها. بخلاف المقام الثاني الذي فرضنا كون مدعي الإعسار فيه مدعيا ، فان وظيفته ليس اليمين لكونه مدعيا ، فلو كلف بالبينة التامة لزم تخليد الحبس إذا عدمها ، فيقنع عنها بالبينة الغير الرافعية للاحتمال الخفي وينجبر ضعفه باليمين ـ فتأمل وانتظر تمام الكلام.
ثمَّ ان البينة المعتبرة في المقام الأول يعتبر فيها الخبرة والاطلاع التام بحال المدعى ، فان شهدت بالإعسار اعتمادا على الأصل لم تقبل وان قبل مثلها في غير المقام ، لأن الشهادة المستندة إلى الأصل انما تعتبر حيث تعتبر إذا لم يكن نسبة الأصل الذي استند اليه الشاهد الى الجميع سواء والا فلا معنى لقبول مثلها ، فاذا كانت الحالة السابقة في شيء معلومة لكل أحد وشهد شاهد على طبقها بمقتضى الاستصحاب لم تنفع شهادته جدا ، فلو شهدت في المقام بالإعسار باعتبار كونه مطابقا للاستصحاب لم ينفع وانما ينفع لو كانت شهادته مستندة الى ما هو من خصائصه كالخبرة والاطلاع التأمين بحال المدعي. ومن هنا اعتبروا في بينة الإعسار الخبرة والاطلاع على بواطن الأمر.
فظهر أن البينة في المقام الأول على ثلاثة أقسام لاغية ومغنية عن اليمين وغير مغنية ، والاولى ما كانت مستندة الى الأصل ، والثانية ما كانت نافية للاحتمال الخفي ، والثالثة ما يبقى معه الاحتمال. وهذه قد عرفت الحال فيها وأنها لو لم تقبل في هذا المقام لم يكن بعيدا.