من جهتين : إحداهما تنظر الى بناء العقلاء ، والثانية تنظر الى نحو قوله « إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان » فلا بد من إرجاع البينة الى المدعي. ويتعين بذلك رجوع الميزان الأخر ، وهو اليمين الى المنكر.
قلت : كلامنا بعد الفراغ عن أن القضاء سواء كان للمدعي أو للمنكر لا يكون عند الشارع الا بميزان من الميزانين المزبورين وان أحدهما وظيفة المدعي والأخر وظيفة المنكر ، ولكن لا تشخص وظيفة كل منهما من وظيفة الأخر ، فحينئذ نقول : ان البينة وظيفة المدعي واليمين وظيفة المنكر. وهذا معنى كلام المحقق وغيره. ومع فقدها ـ أي البينة ـ فالمنكر مستند إلى البراءة الأصلية ، وهو أولى باليمين.
وليس مرجع هذا الكلام الى الاستناد الى قوله « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ». نعم ذكر قبل ذلك كلاما يرجع اليه حيث قال : البحث الثاني في يمين المنكر والمدعي ، اليمين يتوجه الى المنكر تعويلا على الخبر. فشكر الله سعيه حيث أتى في ضمن كلمتين بما فصلناه من الطريقتين من الأصل الاولي والثانوي المدلول عليه بالخبر.
ثمَّ انه قد خرج عن هذا الأصل موارد وجهت اليمين فيها الى المدعي ، كدعوى الدم مع اللوث ، أي قيام أمارة شخصية على صدق الدعوى ، ونحوها مما يقدم فيه قول المدعي في أبواب الفقه مراعاة لامارة نوعية قائمة على صدق الدعوى ، كدعوى الدخول مع الخلوة والتيام الخلقين والسلامة عن المرض أو دعوى الإنفاق ونحو هذه الموارد ، أو لا مارة شخصية اعتبرها الشارع كدعوى الدم مع اللوث ، أو لوجود مانع عن مطالبة اليمين من المنكر.
والسر في الخروج هو أن إرجاع اليمين الى المنكر انما كان لقوة جانبه ، وفي المواضع المشار إليها لا قوة في جانبه باعتبار قيام الظن النوعي أو الشخصي