وهذا هو السر في أن الفقهاء إذا اقتضى قواعدهم مطالبة البينة من المدعى مثلا فيقولون ان القول قوله بيمينه لا مطلقا.
ويرشد إليه أيضا تعليل الإمام في حديث الدماء كما أشرنا إليه ، حيث علل عدم الاكتفاء باليمين من المنكر هنا بأنه يوجب ضياع الدم مع أن عدم الاكتفاء منه باليمين لا يستلزم كون وظيفته البينة ، فيظهر أنه حيثما ينتفي أحد الميزانين يقوم الميزان الأخر مقامه.
لكن هذا أيضا غير مطرد ، فربما تسقط البينة من المدعي بلا يمين ، وكذا تسقط اليمين عن المنكر بلا بينة ، فمن الأول دعوى صاحب المال دفع الزكاة إلى المستحق فإنها مقبولة بلا يمين ، ومن الثاني إبدال النصاب في أثناء الحلول ، فإنه منكر مع عدم مطالبة البينة منه ، وجعله صاحب المسالك من موارد تقديم قول المدعي.
وفيه نظر ، لان مدعي الابدال يدعي براءة ذمته عن الزكاة أو سلامة عين ماله من تعلقها به ، فهو موافق للأصل ، بخلاف العامل أو الجابي أو الفقير المطالبين للزكاة ، فإنهم يدعون خلاف الأصل المزبور.
ودعوى أن الشك في تعلق الزكاة مسبب عن الشك في الابدال ، والأصل عدمه لأنه حادث ، فيكون مدعيه مخالفا للأصل. مدفوعة بأن أصالة عدم الابدال لا تثبت كون المال الموجود محلا لتعلق الزكاة إلا بناء على اعتبار الأصل المثبت كما لا يخفى ، فيكون قول مدعي الزكاة غير مطابق للأصل نافع بخلاف المالك.
لكن الاعتذار عن هذه المواضع ونحوها مما ذكره صاحب المسالك وغيره بأنها ليست من مجاري القضاء بين الناس حقيقة وان كان متعلق الدعوى فيها من حقوق الناس لأنها أشبه بحقوق الله أو الموضوعات التي لا يجري فيها القضاء كالطهارة والنجاسة والهلال وان تضمنت أحيانا بعض حقوق الناس.