صدق الوكالة لا في صحتها ، فان دل دليل عام أو خاص على كون الفعل من أحد الأولين لم يحتج في إثبات الوكالة حينئذ إلى دليل آخر ، كما أنه إذا دل دليل كذلك على جواز الوكالة في المشكوك كان ذلك دليلا على كونه منهما.
إذا تحقق ذلك فنقول : ان ما ورد في باب الوكالة من الأدلة لا يتكفل شيء منها لبيان هذا المهم ، أعني قبول كل فعل من الأفعال الشرعية للنيابة إلا ما خرج بالدليل ، لان ما ورد فيها كلها مسوق لبيان أحكام الوكالة وشرائطها مثل ما ورد في استمرارها الى بلوغ العزل.
ولا ريب أن الدليل المسوق لبيان أحكام الشيء كلا أو بعضا لا يدل على تعيين مجاري ذلك الشيء ومصاديقه ، كما أن الدليل على جواز الوكالة عموما أو خصوصا لا يدل على حكمها وشرائطها ، فهنا مقامان : أحدهما إثبات قبول المشكوك للوكالة ، والثاني بيان حكم الوكالة من حيث كفاية الفعل وعدم اعتبار اللفظ ونحوها من الاحكام. والدليل المتكفل لبيان المقام الأول لا يجدي في المقام الثاني ، كما أن الدليل الوارد في المقام الثاني غير مجد في المقام الأول.
ومن هنا يظهر سقوط الاستدلال بعمومات العقد ، كقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (١) عند الشك في القابلية ، لأن الشك فيها شك في صدق الاسم ، كما إذا شك في أن الشيء الفلاني من المملوكات القابلة للنقل أم لا ، أو أنه من الحقوق القابلة للصلح والتجاوز أم من الاحكام ، فمن تمسك ببعض ما ورد في باب الصلح على جوازه في كل شيء مشكوك في قابليته باعتبار الشك في كونه من الأحكام أم من الحقوق أو بعموم « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » لا ثبات صحة الصلح حينئذ أو لصحة الوكالة فيما شك في قبوله النيابة ، فقد سهى سهوا بينا.
__________________
(١) سورة المائدة : ١.