الأخذ بها في استفادة المرادات ، وإنّما العمدة في المقام إبطال منع الخصم ودفع سند إنكاره.
وقد عرفت أنّ سنده يرجع إلى أمرين منع وجود المقتضي للأخذ بالظواهر ودعوى وجود المانع منه.
والجواب عن الأوّل : كفاية الأصل المتقدّم في إحراز وجود المقتضي ، فإنّ قضيّة ذلك الأصل ظهور كلامه تعالى في الكتاب العزيز في كونه تعالى قاصدا إلى اللفظ وقاصدا إلى المعنى وقاصدا إلى إفهام المعنى المقصود ، وهذا المعنى المقصود إمّا أن يكون ظاهر اللفظ أو خلاف ظاهره ، ولا سبيل إلى الثاني للزوم الإغراء بالجهل فتعيّن الأوّل ، مضافا إلى الإجماع الضروري على أنّ الشارع ليس له طريقة مستحدثة في خطاباته ومكالماته مغائرة لطريقة العرف وعادة أهل اللسان من التعويل على الظواهر ـ ذاتيّة أو عرضيّة ـ في إفادة المطالب واستفادتها ، فدعوى أنّ ظواهر الكتاب لم يقصد بها إفهام غير النبيّ والوصيّ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه والاستناد لها إلى قوله عليهالسلام : « إنّما يعرف القرآن من خوطب به » (١) فاسد.
أمّا أوّلا : فلعدم دلالة الخبر على أنّ ظواهر القرآن لم يقصد بها إفهام غير من خوطب به ، بل أقصاه الدلالة على أنّ فهم متشابهات القرآن منحصر فيمن خوطب به فإنّه من حديث قتادة ، وتمامه رواه الكليني في الكافي باسناده عن زيد الشحّام قال : « دخل قتادة (٢) ابن دعامة على أبي جعفر عليهالسلام فقال : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟
فقال : هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : بلغني أنّك تفسّر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : بعلم تفسّره أم بجهل؟ قال : لا بل بعلم.
فقال له أبو جعفر عليهالسلام : فإن كنت تفسّره [ بعلم ] فأنت أنت وأنا أسألك ، فقال قتادة : سل ، قال : أخبرني عن قول الله في سبأ ( وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ )(٣) فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتّى يرجع إلى أهله.
فقال أبو جعفر عليهالسلام : أنشدك بالله يا قتادة هل تعلم أنّه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك
__________________
(١) الكافي ٨ : ٣١١ / ٤٨٥.
(٢) هو من مشاهير محدّثي العامّة ومفسّريهم روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيّب والحسن البصري.
(٣) سورة سبأ : ١٨.