ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهمّ نعم.
فقال أبو جعفر عليهالسلام : ويحك يا قتادة إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه كما قال الله تعالى : ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ )(١) ولم يعن البيت فيقول إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيم الّتي من هوانا قلبه قبلت حجّته وإلاّ فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنّم يوم القيامة ، قال قتادة : لا جرم والله لا فسّرتها إلاّ هكذا.
فقال أبو جعفر عليهالسلام : ويحك يا قتادة إنّما يعرف القرآن من خوطب به » (٢).
وموضع الدلالة أنّ قول قتادة : « لا بل بعلم » بعد قوله : « نعم » يتضمّن دعوى علمه بجميع القرآن حتّى متشابهاته ، وردّه الإمام عليهالسلام بقوله : « إنّما يعرف القرآن من خوطب به » بعبارة الحصر من باب قصر الأفراد ، مضافا إلى أنّ ما ذكره قتادة في تفسير الآية المسؤول عنها يكشف عن فهمه منها معاني ثلاث :
أحدها : فهم كون الآية في شأن القاصد لبيت الله الحرام ، وهو ظاهرها بملاحظة السياق والآيات المتقدّمة عليها.
والثانية : أنّه فهم من إطلاق الأمر بالسير إليه كون السير مطلقا غير مشروط بشيء.
والثالثة : أنّه فهم من قوله : « آمنين » الأمان الدنيوي ، وهو السلامة من القطع والقتل وأخذ النفقة.
وقد صوّبه الإمام عليهالسلام في فهمه الأوّل لمكان أنّه أيضا فسّرها بالقاصد لبيت الله الحرام ، وخطّأه في الأخيرين ببيان أنّهما من المتشابهات المنحصر علمها فيمن خوطب به ، لكون المراد من كلّ من « السير » و « الآمنين » خلاف ظاهره.
أمّا الأوّل : فبإرادة المقيّد بمعرفة حقّ الأئمّة الّتي هي شرط لصحّة الأعمال وقبولها.
وأمّا الثاني : فبإرادة الأمان الاخروي ، وهو الأمان من نار جهنّم يوم القيامة ، ثمّ حصر فهم المتشابهات فيمن خوطب به.
وأمّا ثانيا : فعلى تسليم دلالته على عدم القصد بها إلى إفهام غير من خوطب به ، لا يدلّ على انحصار من خوطب به في النبيّ والوصيّ ، بل يدخل فيه كلّ من كان حاضرا [ في ]
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٣٧.
(٢) الكافي ٨ : ٣١١ / ٤٨٥.