أمّا الأوّل : فلأنّه منقوض بالإجمال الطارئ لظواهر السنّة من كثرة تطرّق المخالفة للظاهر والتأويل إليها ، ولا ريب أنّ الإجمال مانع من العمل فيهما معا والفرق تحكّم.
وأمّا الثاني : فلأنّ الإجمال إنّما ينشأ من العلم الإجمالي بوجود مخالفات كثيرة للظواهر ، وهو في كلّ ظاهر يقع محلاّ للابتلاء يوجب الفحص عمّا يخالفه ، لا سقوطه عن الاعتبار وخروجه عن الحجّيّة رأسا ، كما هو الحال في السنّة الّتي يقولون بجواز العمل بها ، فإنّها لا ندّعي في الكتاب جواز العمل به مطلقا ومن غير فحص ، وبعد الفحص يزول الإجمال ويرتفع الإشكال.
وبالجملة لا فرق في ذلك بين الكتاب والسنّة ، وكما أنّ الكتاب لا يجوز العمل به قبل الفحص فكذلك السنّة لا يجوز الأخذ بها إلاّ بعد الفحص ، وكما أنّ الفحص في السنّة إذا حصل بشرائطه مجوّز للعمل بها فكذلك مجوّز له في الكتاب ، والفرق تحكّم بحت لا يليق بأهل الفضل.
فإن قلت : إنّ أثر العلم الإجمالي بوجود المخالفات الكثيرة الموجب للإجمال هو وجوب التوقّف ، وهو لا يرتفع بالفحص لعدم خروج المورد عن طرف العلم الإجمالي ، فالفحص عمّا يوجب مخالفة الظاهر لا يجدي نفعا في العمل بظواهر الكتاب المفروض صيرورتها [ مجملا ] ، كما أنّه لا يجدي نفعا في الأخذ بلفظ تردّد بين معنييه كالمشترك والمجاز المشهور ، وأحد الظاهرين الّذي خرج عن ظهوره بالتعارض الموجب للعلم الإجمالي به كالعامّين من وجه ، فإنّ أثر العلم الإجمالي فيهما وهو وجوب التوقّف لا يرتفع بالفحص الّذي لم يوجد معه القرينة المعيّنة.
قلت : هذا السؤال اشتباه منشؤه الغفلة عن حقيقة محلّ العلم الإجمالي الموجب للإجمال ، فإنّ المسلّم من العلم الإجمالي في المقام إنّما هو حصوله بوجود مخالفات كثيرة لظواهر الكتاب في الأخبار الّتي بأيدينا ، فبعد الفحص عند الابتلاء بظاهر وعدم وجود ما يخالفه ـ ولو ظنّا ـ خرج المورد عن طرف العلم الإجمالي ، ولو بقي احتمال المخالفة ينفى ذلك الاحتمال بالأصل ، ولا يمكن ذلك قبل الفحص لمكان العلم الإجمالي المانع من العمل بالأصل قبل الفحص ، وبعده يرتفع المانع لخروج المورد عن طرف العلم الإجمالي.
نعم لو فرض حصوله بوجود المخالفات في الأخبار الّتي ذهبت عنّا ، أو حصوله بوجودها في كلّ من الأخبار الّتي بأيدينا والّتي ذهبت عنّا ، أو حصوله بوجودها في الواقع