موضوعيّا ، وقد ينعكس الأمر فيتوهّم العلم الموضوعي علما طريقيّا.
ومن أمثلة الأوّل : ما في خبر إسماعيل بن جابر المروي عن تفسير النعماني عن الصادق عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ الله تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس الّتي جعلها دليلا على أوقات الصلاة ، فموسّع عليهم تأخير الصلاة ليتبيّن لهم الوقت بظهورها ويستيقنوا أنّها قد زالت (١) » حيث توهّم كون موضوع الحكم ـ وهو وجوب الصلاة ـ هو اليقين بالزوال ، على معنى كون وجوبها معلّقا على الزوال المتيقّن ، وليس كما توهّم لقضاء الأدلّة من الإجماع والنصوص المعتبرة بإناطة وجوب الصلاة بالزوال الواقعي ، فتحمل الرواية على الإرشاد إلى طريق إحراز الواقع ، فيقوم مقامه غيره من الطرق الاخر الغير العلميّة.
ومن الثاني : ما وقع من العلاّمة في بعض كتبه ولعلّه التحرير ـ على ما حكي في مسألة الجاهل بحكم الغصب ـ من أنّه « ليس معذورا ، لأنّ التكليف ليس متوقّفا على العلم به ، وإلاّ لزم الدور (٢) ».
وفيه : أنّ نفي توقّف التكليف على العلم ـ مع أنّه إنكار لما تطابق عليه العقل والنقل ، وقضى به إجماع الأمّة من كون العلم من شرائط التكليف ـ مبنيّ على توهّم العلم الموضوعي علما طريقيّا ، ومنشأه اختلاط الأمر عليه في الفرق بين الحكم الواقعي والتكليف الفعلي ، فيدفع لزوم الدور على تقدير توقّف التكليف بالعلم دون الحكم الواقعي بتعدّد الطرفين الّذي أحدهما ما يتوقّف على العلم ، والآخر ما لا يتوقّف عليه.
فإنّ الّذي لا يتوقّف على العلم إنّما هو الحكم الواقعي ، لأنّ علم المكلّف بالنسبة إليه تابع ومتأخّر عنه طبعا من حيث تعلّقه به ، والمتوقّف عليه إنّما هو التكليف الّذي قد يقال الحكم الظاهري ، وقد يعبّر عنه بالحكم الفعلي فلا دور ، والعلم بالنسبة إلى الأوّل طريق ، وبالنسبة إلى الثاني موضوع ، لأنّ الحكم الواقعي المعلوم تكليف وحكم فعلي.
وتوضيح الفرق بينهما : أنّ الحكم الواقعي عبارة عن الطلب النفساني القائم بنفس المتكلّم قبل أن يعلمه أحد ، وهو الّذي لو أفاده المتكلّم بعبارة قوله : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )(٣) ، ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(٤) ، ونحو ذلك من الخطابات كان معنى إنشائيّا ، وهو المطابق لعلم الله المكتوب في اللوح المحفوظ ، المنزّل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، المودّع عند
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٢٧٩ / ٢ ، ب ٥٨ من أبواب المواقيت.
(٢) لم نجده في التحرير بل وجدناه في المنتهى ٤ : ٢٣٠.
(٣) سورة البقرة : ٤٣.
(٤) سورة آل عمران : ٩٧.